أصول الفقه – يوم الإثنين ١٢ جمادي الأولى ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
خلاصة الدرس السابق
بدأنا بذكر المناقشات التي أطرحها أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه على مباني الأربعة التي يبتني عليها بيان المحقّق النائينيّ في بحث عدم وجوب الاجتناب عن ملاقي أحد طرفي العلم الإجماليّ.
وقلنا إنّ المناقشة الأولى هي أنّا لا نوافق على صحّة ما جاء في المبنى الأوّل من هذه المباني الأربعة أي دعوى انحلال العلم الإجماليّ بقيام منجّز سابق في أحد طرفيه. وحوّل أستاذنا الشهيد هذه المناقشة إلى الأبحاث السابقة. واحتملنا أن يكون المراد بذلك ما سبق من أنّ منجّزيّة العلم الإجماليّ مقارنة في الرتبة لنفس العلم الإجماليّ الثاني، ولعلّه يمكن أن نطرح احتمالاً ثانياً من أنّ مراده ما سبق طَرْحه منه كإشكال ثان على المحققّ العراقيّ وحاصله أنّ المنجّزين ليسا هما العلمين الإجماليّين أي العلم الإجماليّ بنجاسة إمّا ألف أو باء والعلم الإجماليّ بنجاسة إمّا باء أو الثوب؛ لأنّ النجاسة حكم وضعيّ والحكم الوضعيّ غير صالح للتنجيز وإنّما تنجّز الأحكام التكليفيّ المترتّبة على النجاسة، فإنّ العلمين الإجماليّين المنجّزين عبارة عمّا يتولّد من هذين العلمين الإجماليّين من العلم الإجماليّ بالأحكام التكليفيّة المترتّبة على نجاسة إمّا في ألف أو باء والعلم الإجماليّ بالأحكام التكليفيّة المترتّبة على نجاسة إمّا باء أو الثوب، وهذان العلمان الإجماليّان المولودان هما في رتبة واحدة، ووضحّ أستاذنا الشهيد كيفيّة إثبات كونهما في رتبة واحدة.
المناقشة الثانية، وهي تجري في المبنى الثالث من المباني الأربعة
وعلى كلّ حال نتحوّل إلى المناقشة الثانية، فيقول فيها إنّا لو سلّمنا المبنى الأوّل – من أنّه إذا تعلّق تنجيز سابق على علم إجماليّ، يوجب ذلك انحلال هذا العلم الإجماليّ المتأخّر – ولكن بناء على التسليم بهذا المبنى وخصوصاً بصياغته الضيائيّة (أي صياغة المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه) فلا يبقى مجال لما جاء في المبنى الثالث من هذه المباني الأربعة من كون العبرة بالتقدّم والتأخّر في المعلومين لا في العلمين؛ وذلك لأنّ التنجيز أثر للعلم لا للموضوع، فإنّه أثر للعلمين الإجماليّين!
فمتى نقول «إذا تنجّز الحكم بمنجّز سابق …» فـ«المنجّز السابق» يعني «العلم الإجماليّ [السابق]» لا «المعلوم السابق». فإنّ المعلومين لا ينجّز أحدهما الآخر وإنّما العلمان هما اللذان ينجّزان التكليف. فـ[يكون المعنى أنّه] إذا تعلّق تنجيز سابق بما نجّزه العلم الإجماليّ الثاني فهذا العلم الإجماليّ الثاني يَبطل تنجيزُه؛ لعدم إمكان اجتماع التنجيزين على شيء واحد بحسب صياغة المحقّق العراقيّ. ونحن احتملنا – أي أستاذنا الشهيد احتمل – أن يكون مراد المحقّق النائينيّ بقوله لا بدّ من أن يكون علماً بالحدوث لا بالبقاء، هو ما عبّر عنه المحقّق العراقيّ بأنّه لا بدّ من ألّا يكون منجّزاً بمنجّز سابق، فبناء على دمج الصياغتين أحدهما بالآخر نقول سوف لا يتمّ اشتراط كون الترتّب بين المعلومين، بل لا بدّ من أن نقول بالترتّب بين العلمين؛ لأنّ المنجّز هو العلم لا المعلوم.
والحمد لله ربّ العالمين.