أصول الفقه – يوم الأحد ٢٥ جمادى الأولى ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
خلاصة الدرس السابق
قلنا إنّه ليس من المعقول صدور ما نسب إلى المحققّ النائينيّ في أجود التقريرات من أنّه يستنتج التأخّر الرتبيّ لمادّة الاشتراك بدليل وجود التقدّم والتأخّر الرتبيّ بين مادّتي الافتراق لهذين العلمين الإجماليّين؛ فإنّ المحققّ النائينيّ أجلّ وأعلى من أن يصدر منه هذا الكلام الواضح البطلان، فيقول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه لعلّ مقصوده عبارة عن تقريب له صورة وإن كان غير صحيح أيضاً، وهو الذي حلّلناه إلى المرحلتين.
ففي المرحلة الأولى يثبت أنّ المعلوم بالإجمال بالعلم الإجماليّ الثاني على تردّده وإجماله متأخّر رتبة عن المعلوم بالإجمال بالعلم الإجماليّ الأوّل على تردّده وإجماله؛ بدليل أنّ المعلوم بالعلم الإجماليّ الثاني مقيّد بالملاقاة وهو قيد متأخّر، والمعلوم بالعلم الإجماليّ الأوّل غير مقيّد بها. إذاً فالمعلوم بالعلم الإجماليّ الثاني لكونه مقيّداً بقيد متأخّر فهو متأخّر عن المعلوم بالعلم الإجماليّ الأوّلّ الذي ليس مقيّداً بهذا القيد.
وفي المرحلة الثانية قال إنّ المعلوم بالعلم الإجماليّ الثاني وإن لم يستطع أن يصعد مرتبة المعلوم بالعلم الإجماليّ الأوّل لأنّه مقيّد، ولكنّ العلم الإجماليّ الأوّل لكونه مطلقاً يستطيع أن ينزل.
وهذا الكلام يشبه بما ذكر في بحث الجمع بين الحكم الظاهريّ والواقعيّ.
المناقشة في هذه الصورة الجديدة
وأستاذنا الشهيد يناقش هذه الصورة الجديدة بمناقشتين: مناقشة فيما ذكر في المرحلة الأولى ومناقشة فيما ذكر في المرحلة الثانية.
المناقشة في المرحلة الأولى
فيقول في المناقشة الأولى: إنّه صحيح أنّ المعلوم بالعلم الإجماليّ الثاني مقيّد بقيد الملاقاة والمعلوم بالعلم الإجماليّ الأوّل غير مقيّد به، ولكن من أين جاء بأنّ هذا يكون دليلاً على أنّ المقيّد بهذا القيد إذاً متأخّر عن ذاك الذي لا يكون مقيّداً به؟ فليس عندنا قاعدة قائلة بأنّ كلّما كان شيء مقيّداً بقيد متأخّر وشيء آخر غير مقيّد به فيكون ذلك الشيء المقيّد بهذا القيد متأخّراً عن الشيء الذي لا يكون مقيّداً بذلك.
ويوضّح ذلك عند مثال آخر ويقول من باب المثال إنّ زيداً مقيّد ببنوّته لعمرو لأنّه ابنه، وبسبب البنوّة صار متأخّراً رتبة عن عمرو، وبكر غير مقيّد بهذا القيد، وهل هذا يعني أنّ بكراً يلزم أن يكون أسبق رتبة من زيد؟ أفكما أنّ عمرواً أسبق رتبة من زيد يلزم أن يكون بكر كذلك بدليل أنّه ليس فيه هذا التقيّد؟ فلا يوجد دليل على أنّ بكراً أسبق رتبة من زيد لأنّه غير مقيّد بهذا القيد.
وما نحن فيه كذلك أيضاً، فصحيح أنّ المعلوم بالعلم الإجماليّ الثاني مقيّد بقيد الملاقاة والعلم الإجماليّ الأوّل غير مقيّد به، لكن هذا لا يثبت كون المعلوم بالعلم الإجماليّ الأوّل إذاً أسبق رتبة لأنّه غير مقيّد به، فمجرّد كونه غير مقيّد به ليس دليلاً على أنّه أسبق من الشيء المقيّد به.
المناقشة في المرحلة الثانية
وأمّا في الإشكال على ما جاء في المرحلة الثانية يقول: ماذا هو المقصود بأنّ هذا لا يصعد وذاك ينزل؟ في كلا البحثين، أي بحث الجمع بين الحكم الظاهريّ والواقعيّ وفي بحثنا هذا.
فافترضنا أنّ المحقّق النائينيّ رحمه الله يقول بأنّ المقيّد بهذا القيد لا يمكنه الصعود إلى مرتبة ما هو غير مقيّد به ولكن غير المقيّد به يمكنه أن ينزل إلى رتبة ذاك المقيّد به.
فيقول أستاذنا الشهيد: ما معنى كون المطلق يمكنه أن ينزل بسبب إطلاقه إلى مرتبة أنزل ولكنّ المقيّد لكونه مقيّداً بشيء نازل لا يمكنه الصعود؟ فهذا الذي يمكنه النزول كيف ينزل؟ فهل هذا لكونه مطلقاً بمعنى أنّه ذو مرتبتين بأن تكون مرتبته تلك المرتبة الأعلى وتلك المرتبة الأدنى أيضاً فيملك المرتبتين؟ فإنّ هذا مستحيل.
أو المقصود بذلك أنّه لا يملك أيّاً من المرتبتين بل هو مطلق من ناحية المرتبة، ولهذا يمكنه أن ينزل؟
فيقول هذا أيضاً مستحيل؛ لأنّه هل يوجد شيء لا يملك مرتبة؟ فإنّ كل شيء تابع لمرتبة من المراتب.
فهذا الذي قيل في بحث الجمع بين الحكم الظاهريّ والواقعيّ ونحتمل هنا أن يكون مراد المحقّق النائينيّ، مجرّد لقلقة اللسان والتلاعب بالألفاظ.
والحمد لله ربّ العالمين.