أصول الفقه – يوم الإثنين ٢٦ جمادى الأولى ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
انتهينا من أصل بحث ملاقي أحد أطراف العلم الإجماليّ واستنتجنا وجوب الاجتناب عنه خلافاً للمشهور حيث إنّا رفضنا جميع التقريرات القائلة بعدم وجوبه من تقرير السيّد الخوئي والشيخ الأنصاري وآقا ضياء العراقيّ والميرزا النائينيّ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
ويبقى الكلام في أمور ثلاثة يبحثها أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه لها قيمتها العلميّة وإن لم يكن لبعضها أثر عمليّ خصوصاً على رأي أستاذنا الشهيد، ولأجل ذلك رأيت أن نبحثها.
التبادل في الحكم بين الملاقي والملاقى
الأمر الأوّل أنّ بعض الأصحاب القائلين بعدم وجوب الاجتناب عن الملاقي – ومن القائلين (حسب التخريج) صاحب الكفاية[1] والمحقّق الأصفهانيّ في نهاية الدراية[2] رضوان الله تعالى عليهما – حاولوا لإثبات أنّ حكم الملاقي وحكم الملاقىٰ يتبادلان فيصير حكم الملاقي للملاقى وحكم الملاقى للملاقي في بعض الحالات، فيرون أنّه في بعض الحالات يجب الاجتناب عن الثوب الملاقي لألف ولا يجب عن ألف رغم أنّه أحد طرفي العلم الإجماليّ الأوّل، كما في حالة ما إذا تدخّل عنصر الخروج عن محلّ الابتلاء وتوالت الأمور بالنحو التالي من حيث التقدّم والتأخّر بأن توالت ضمن الأمور الأربعة المتوالية بأن حصل بعضها بعد بعضل، فيكون حكم الملاقي بوجوب الاجتناب وحكم الملاقى عدم وجوبه.
والأمور الأربعة:
أوّلاً: حصول الملاقاة بين الثوب وبين ألف قبل العلم الإجماليّ وقبل كلّ شيء وقبل الخروج عن محلّ الابتلاء.
وثانياً: خروج الملاقى (أي ألف) عن محلّ الابتلاء.
وثالثاً: حصول العلم الإجماليّ بنجاسة إمّا ألف أو باء.
ورابعاً: رجوع ما خرج عن محلّ الابتلاء إلى محل الابتلاء.
فمتى ما توالت هذه الأمور الأربعة بهذا النحو، يدّعون تبادل حكم الثوب وحكم ألف.
ويتمّ توضيح ذلك وتقييم مدّعاهم ضمن جهات ثلاث حسب ما بحثه أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه.
والجهة الأولى دورها الدور المقدّمي للجهة الثانية والثالثة، وهي البحث في حكم الملاقي بعد حصول العلم الإجماليّ وقبل رجوع الملاقى إلى محلّ الابتلاء، أي بعد حصول المراحل الثلاث وقبل المرحلة الرابعة (الرجوع إلى محلّ الابتلاء)، فماذا حكم الملاقي قبل رجوعه؟ حتّى نبحث بعده في الجهة الثانية والثالثة أنّ حكمه يتبدّل أو لا؟
والجهة الثانية في حكم الملاقى بعد المراحل الأربعة.
والجهة الثالثة في حكم الملاقي بعد هذه المراحل.
الجهة الأولى في البحث عن تبادل حكم الملاقي والملاقى
أمّا الجهة الأولى وهي أنّه ماذا حكم الملاقي بعد المرحلة الثالثة وقبل المرحلة الرابعة؟ فيقول أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه إنّ هذا يختلف حكمه باختلاف المباني الأربعة للأصحاب حيث إنّ كلّهم انتهوا إلى القول بعدم وجوب الاجتناب من الثوب لكن بتقريبات متفاوتة.
حكم الملاقي حسب تقريب السيّد الخوئي رضوان الله عليه
فيبدأ بتقريب السيّد الخوئيّ رضوان الله عليه ويتذكّر أوّلاً تقريبه في عدم وجوب الاجتناب عن الثوب حتّى ننظر أنّه هل يجري هنا أو لا؟
وتقريبه أنّ العلم الإجماليّ الثاني بين باء والثوب ينحلّ لأجل أنّ أحد طرفيه سقط أصله العمليّ في زمان سابق، (وتقريب الشيخ الأنصاري أيضاً يشابهه إلّا أنّه يقول بسقوط الأصل في باء في رتبة سابقة)، وأدّى ذلك – سواء على مبنى السيّد الخوئيّ أو الشيخ الأنصاريّ – إلى جريان الأصل المؤمّن في الثوب بدون معارض؛ لأنّ معارضه سقط في زمان سابق على مبنى السيّد الخوئيّ.
فعلى مبنى السيّد الخوئي ماذا نقول بشأن حكم الثوب بين المرحلة الثالثة والرابعة؟ فهل يأتي ما قاله السيّد الخوئيّ من أنّ الأصل العمليّ في باء قد سقط في زمان سابق؟ فيقول: لا؛ لأنّ هذا العلم الإجماليّ الأوّل في الزمان السابق سقط بسقوط أحد طرفيه عن محلّ الابتلاء وتعرفون أنّ الأصحاب يقولون بعدم منجّزيّة العلم الإجماليّ في ما إذا كان أحد طرفيه خارجاً عن محلّ الابتلاء، فهو ساقط عن التنجيز ولا قيمة له، إذاً فلم يسقط أصل العمليّ في باء بعلم إجماليّ سابق؛ لأنّ أحد طرفيه خارج عن محلّ الابتلاء فيقع التعارض بين طرفيه أي باء والثوب.
فلا يجري هذا التقريب وينتهي إلى أن نقول بوجوب الاجتناب عن الثوب.
حكم الملاقي حسب تقريب الشيخ الأنصاريّ رضوان الله عليه
وأمّا على مبنى الشيخ الأنصاريّ من أنّ ميزانه التقدّم والتأخّر الرتبيّين لا الزمانيّين، فإذا كان أحد طرفيه قد تنجّز بمنجّز في رتبة سابقة – لا في زمان سابق – فيسقط الأصل العمليّ في هذا الطرف المنّجَّز [ويبقى الأصل الجاري في الملاقي سليماً عن المعارض]. فعلى مبنى الشيخ الأنصاريّ يكون التقدّم والتأخّر الرتبيّ موجوداً دائماً بين هذين العلمين الإجماليّين – وإن لم يكن التقّدم و التأخّر الزمانيّ موجوداً دائماً –؛ لأنّ العلم الإجماليّ الثاني وليد العلم الإجماليّ الأوّل وإن كان متقدّماً عليه زماناً، فما دام كذلك يسقط دائماً أصله العمليّ بالعلم الإجماليّ أسبق رتبة، فهذا العلم الإجماليّ الثاني لا يبقى له التنجيز فيبقى الأصل العمليّ في الثوب بدون معارض.
فالنتيجة بحسب هذا التقريب تكون بعكس ما ذكر في تقريب السيّد الخوئيّ، وذلك لأنّه بحسب تقريب الشيخ الأنصاري يكون التقدّم والتأخّر الرتبيّ موجوداً دائماً وبالتالي الأصل المؤمّن في طرف باء يسقط دائماً بعلم إجماليّ أسبق رتبة وإن لم يكن أسبق زماناً، وإذا كان كذلك يجري الأصل المؤمّن في الثوب بدون معارض. فيجري هذا التقريب ولا يجب الاجتناب عن الثوب في ما بين المرحلتين الثالثة والرابعة، بعكس نتيجة المبنى الأوّل.
والحمد لله ربّ العالمين.