أصول الفقه – يوم الأحد ٦ ربيع الثاني ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
خلاصة الدرس السابق
كان الكلام في بحث ملاقي أحد أطراف العلم الإجماليّ. وقلنا يوجد تقريبان لعدم وجوب الاجتناب عن الثوب الملاقي لأحد طرفي العلم الإجماليّ.
التقريب الأوّل كان عبارة عن أنّ هذا مصداق من مصاديق اشتراك العلمين الإجماليّين في طرف واحد؛ فإنّه عندنا علم إجماليّ بنجاسة إمّا ألف أو باء ثمّ عندنا علم إجماليّ بنجاسة إمّا باء أو الثوب، فيصير مصداقاً من مصاديق ذلك البحث.
وقلنا إنّ جملة من المحقّقين بنوا في هذا البحث على عدم منجّزيّة العلم الإجماليّ الثاني فيما إذا كانا غير متعاصرين. وكانت هناك إشكاليّة وجواب وبحث مفصّل.
والتقريب الثاني كان عبارة عن أنّ أصالة الطهارة في طرف باء قد سقط بالتعارض الحاصل من العلم الإجماليّ الأوّل – أي العلم الإجماليّ بنجاسة إمّا ألف أو باء – فإنّه سبّب التساقط بين أصالة الطهارة في طرفيه وبالتالي سقطت أصالة الطهارة في باء، وإذا سقطت فلا يبقى لأصالة الطهارة في الثوب معارض، فتجري بدون معارض، وهذا يعني عدم وجوب الاجتناب عنه.
هذا التقريب الثاني كانت عليه إشكاليّة وجواب مفصّل مضى بحثه.
حكم الثوب فيما إذا تلف الطرف الأوّل (أي الملاقىٰ)
وبالأخير يشير أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه إلى أنّه هناك حالة قد يدّعى عدم جريان أيّ من التقريبين فيها، وهي ما إذا تلف الطرف الأوّل (ألف) وصار عندنا بعد تلفه علم إجماليّ بأنّه إمّا هذا التالف قبل تلفه كان نجساً وإمّا باء، ففي هذه الحالة قد يقال بعدم تماميّة كلا التقريبين.
وجه عدم تماميّة التقريب الأوّل
أمّا التقريب الأوّل فوجه عدم تماميّته في هذه الحالة أنّ العلم الإجماليّ الأوّل – وهو العلم الإجماليّ بنجاسة إمّا ألف أو باء – انتهى مفعوله وسقط؛ لأنّ هذا العلم الإجماليّ حصل بعد تلف أحد الطرفين. وهذا يكون مثل ما بحثنا في الاضطرار إلى أحد طرفي العلم الإجماليّ، فإنّنا ذكرنا هناك أنّه لا فرق بين الاضطرار والتلف والعجز، فإنّ كلّ واحد من مسقطات التكليف يكون داخلاً في البحث.
فذكرنا هناك أنّه لو حصل العلم الإجماليّ بعد ابتلاء أحد طرفين بمسقط من مسقطات التكليف فالعلم الإجماليّ لا يكون منجّزاً؛ لاختلال الركن الثالث. ووضّحنا هناك اختلال هذا الركن سواء بصيغة المحقّق النائينيّ أو بصيغة المحقّق العراقيّ.
فهنا نقول هذا العلم الإجماليّ قد حصل بعد طروّ مسقط من مسقطات التكليف (أي التلف) على أحد الطرفين مثل الاضطرار.
فإذن قد سقط هذا العلم الإجماليّ [عن التنجيز] وإذا سقط العلم الإجماليّ بين ألف وباء فلا مانع من جريان الأصل المؤمّن في باء؛ لأنّ الأصل المؤمّن في باء كان يتساقط من الأصل المؤمّن في ألف، وإذا لم يكن مانع عن جريان الأصل المؤمّن في باء فيصير العلم الإجماليّ الثاني منجّزاً، يعني أنّه يقع التعارض بين الأصل المؤمّن في باء والأصل المؤمّن في الثوب فيتساقطان، وبالتالي لا يبقى أصل مؤمّن في الثوب، فيجب الاجتناب في الثوب لعدم وجود مؤمّن عنه. هذا وجه عدم تماميّة التقريب الأوّل.
وجه عدم تماميّة التقريب الثاني
وأمّا الوجه في عدم تماميّة التقريب الثاني – وهو القائل بأنّ الأصل المؤمّن في باء قد سقط بالعلم الإجماليّ الأوّل، فلا يبقى أصل مؤمّن في باء حتّى يتعارض مع الأصل المؤمّن في الثوب، فالبراءة في الثوب تجري بدون معارض – فهو أنّه ما دام أنّ ألف كان تالفاً وبعد تلفه صار عندنا علم إجماليّ بأنّه إمّا ألف كان نجساً قبل تلفه أو باء، إذن فباء إنّما سقط أصله المؤمّن بالتعارض مع الأصل المؤمّن في ألف، والأصل المؤمّن في ألف لا معنى له؛ لأنّه بعد تلفه لا يجري الأصل المؤمّن (مثل الأصل المؤمّن في إناء بعيد عنّا بعشرات آلاف كيلومتر) وإذا كان إجراء البراءة في شيء تالف لا معنى له فلا معارض للأصل المؤمّن في باء، فيجري الأصل في باء ويقع التعارض بينها وبين الأصل المؤمّن في الثوب، وبالتالي يبتلى الثوب بسقوط أصله المؤمّن بالتعارض مع الأصل المؤمّن في باء، فإذا سقط الأصل المؤمّن فيجب علينا الاجتناب عنه.
ولكنّ السيّد الشهيد يقول يمكنه أن نصحّح جريانه ببيان يأتي في الدرس القادم إن شاء الله.
والحمد لله ربّ العالمين