ذلك فهو معذور، وإن كان لا عن عذرٍ من هذا القبيل فهو غير معذور، كما أنّ حاله كحال الإنسان المسلم أيضاً من حيث إنّ الحكم الواقعي إن كان يشمل المسلم الجاهل به حتى مع قيام أمارةٍ أو أصلٍ على خلافه فهو أيضاً كذلك بلحاظ الإنسان الكافر، وإن كان لايشمله بل يتبدّل حكمه الواقعي على طبق مقتضى الأمارة أو الأصل فهو بلحاظ الإنسان الكافر أيضاً كذلك.
إذاً فلا دلالة في الروايات المذكورة ـ على فرض وجودها ـ على أنّ الجاهل بوصفه جاهلاً هل يشمله الحكم الواقعي أو لا يشمله، وإنّما هي دالّة على أنّ الكافر الجاهل لا يميّزه كفره عن المسلم الجاهل، فكلّما يشمل المسلم الجاهل من حكم يشمل الكافر الجاهل أيضاً. وعليه فلا تتمّ دلالة هذه الروايات على قاعدة الاشتراك بين العالم والجاهل.
هذا بالإضافة إلى أنّ هذه الروايات إن كانت موجودة فهي غير متواترة قطعاً بل إنّما هي أخبار آحاد، فلو سلّمنا بدلالتها الالتزاميّة على شمول الأحكام للعالم والجاهل، ورد عليها الإشكال الأخير الذي أوردناه على روايات الاحتياط من أنّها لو لم تشمل موردها ظلّت دلالتها على المطلوب قاصرة، ولو شملت موردها أصبحت مكذّبةً لنفسها.
الدليل الرابع: إطلاقات أدلّة الأحكام الواقعيّة
وتقريب الاستدلال: أنّ ما وصلنا من أدلّة الأحكام الواقعيّة ـ من قبيل: وجوب الصلاة، ووجوب الصوم، ووجوب الحجّ، وغير ذلك ـ كلّها خالية عن أي قيد دالٍّ على اختصاصها بالعالمين بها، وبضمّ قرينة الحكمة ـ المبحوثة في محلّها ـ إليها، نعرف إطلاق الأحكام الواقعيّة وشمولها للعالم والجاهل.
وهذا الدليل لو تمّ فإنّما يدلّ على قاعدة الاشتراك على مستوى الاقتضاء فحسب، أي على مستوى الدعوى الاُولى من الدعويين اللتين تستبطنهما هذه القاعدة كما مضى، ويبقى علينا بعد ذلك أن نبحث عن الدعوى الثانية، وهي عبارة عن عدم صلاحيّة أدلّة حجيّة الأمارات والاُصول العمليّة للمنع عن مقتضى الإطلاق الثابت في أدلة الأحكام الواقعيّة، وذلك بتقييدٍ أو تخصيصٍ أو ماشابه ذلك ممّا يوجب رفع اليد عن تلك الإطلاقات.
ويمكن الملاحظة على هذا الدليل بما يلي:
أوّلاً: أنّ هذا الدليل أخصّ من المدعى من جهة أنّه يختصّ بالشبهات الموضوعيّة التي وصل فيها الدليل إلينا على أصل الحكم وإنّما وقع الشكّ في تحقّق الموضوع، ففي مثل ذلك يمكن