مقدّمة المباني العامّة للمسائل المستحدثة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمّد وأهل بيته الطيّبين الطّاهرين.
3
4
مقدّمةُ المباني العامّة
للمسائل المستحدثة
1- توضيح المراد بالمسائل المستحدثة
عنوان (المسائل المستحدثة) يوجد له في المصطلح الفقهي معنيان:
المعنى الأوّل: ما قصده الفقهاء في بحث الاجتهاد والتقليد، حيث قالوا: يجوز البقاء على تقليد الميّت في غير المسائل المستحدثة، وأمّا المسائل المستحدثة فلابدّ من الرجوع فيها إلى أعلم الأحياء، والمراد بذلك ضرورة الرجوع إلى أعلم الأحياء في المسائل التي لا يمكن التعرّف فيها على فتوى المجتهد المتوفّى، وأضاف بعضهم ما لم يعمل به المكلّف من فتاوى مرجع تقليده قبل وفاته وإن أمكن التعرّف فيه على فتواه بعد وفاته.
ولا علاقة لهذا المعنى المصطلح للعنوان المذكور بكون المسألة من المسائل المستجدّة بعد زمان التشريع أو كونها من المسائل القديمة التي كانت متداولة منذ أيّام التشريع، وليس هذا هو المعنى المراد بالمسائل المستحدثة في هذا المقال.
5
والمعنى الثاني: ما نقصده بهذا العنوان في بحثنا هذا، وهو – على وجه الإجمال – عبارة عن المسائل التي استجدت بين الناس بعد زمان التشريع، بحيث قد يتوهّم للباحث أنّ الأحكام الموجودة في مصادر التشريع لا تشمل تلك المسائل لأنّها قد استجدّت بعد زمان التشريع، أي بعد زمان النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) والمعصومين من آله إلى زمان غيبة الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه.
ولأجل توضيح ذلك نقول: إنّ المسائل الشرعيّة تشتمل عادةً على ثلاثة أركان، وهي (المتعلّق) و(الموضوع) و(نفس الحكم). فإذا كانت هذه الأركان الثلاثة موجودةً بالفعل في زمن التشريع فالمسألة ليست مستجدّة وليست من المسائل المستحدثة التي نقصدها في هذا البحث، وإذا كان بعض هذه الأركان غير موجودة في زمن التشريع وإنّما حصل له الوجود بعد أيّام التشريع فهي مستجدّة وتعتبر من المسائل المستحدثة التي نحن بصددها في هذا البحث.
وعلى هذا الأساس لابدّ لنا من توضيح المراد بكلّ من (المتعلّق) و(الموضوع) و(الحكم) وإعطاء بعض الأمثلة من المسائل المستحدثة التي يكون بعض هذه الأركان فيها مستجدّاً بعد زمان التشريع.
أمّا (المتعلّق) فنقصد به المتعلّق المباشر للحكم الصادر من الله تعالى، سواء كان حكماً تكليفيّاً أو كان حكماً وضعيّاً، وذلك مثل (الصلاة) التي هي المتعلّق المباشر للوجوب، و(الإكرام) الذي هو المتعلّق المباشر للوجوب في مثل وجوب إكرام الفقير، و(الشرب) الذي هو المتعلّق المباشر للحرمة في مثل حرمة شرب
6
الخمر، و(السلعة المعيّنة) التي هي المتعلّق المباشر للملكيّة في مثل تملّك السلعة بالحيازة أو بالشراء أو نحو ذلك، إلى غير ذلك.
وأمّا (الموضوع) فنقصد به في بحثنا هذا متعلّق المتعلّق للحكم وليس المتعلّق المباشر له، وذلك مثل عنوان (الزوال) أو عنوان (الطهارة) في مثل وجوب الصلاة متطهّراً عند الزوال، وعنوان (الفقير) في مثل (وجوب إكرام الفقير) وعنوان (الخمر) في مثل (حرمة شرب الخمر) إلى غير ذلك، سواء كانت هذه العناوين التي تشكّل متعلّق المتعلّق من قبيل قيد الوجوب كالزوال بالنسبة إلى الصلاة، أو كانت من قبيل قيد الواجب كالطهارة بالنسبة إليها.
ولا ضرورة هنا للدخول في تفصيل البحث حول أنّ متعلّق المتعلّق متى يكون قيداً للوجوب حتّى يكون موضوعاً للحكم بالمعنى الأخصّ المطروح في علم الاُصول، ومتى يكون قيداً للواجب حتى يكون من توابع المتعلّق ولا يكون موضوعاً للحكم بالمعنى الأخصّ، فسنعبّر في بحثنا هذا عن المتعلّق المباشر للحكم باسم (المتعلّق) ونعبّر عن متعلّق المتعلّق – سواء كان قيداً للوجوب أو للواجب – باسم (الموضوع).
وأمّا (نفس الحكم) فنقصد به العنوان المجعول بالجعل التشريعي، سواء كان حكماً تكليفيّاً أو وضعيّاً، كعنوان (الوجوب) و(الحرمة) و(الملكيّة) ونحو ذلك. فكلّ مسألة من المسائل الدخيلة في حوائج الناس إن كان بعض هذه الأركان الثلاثة فيها مستجدّاً في التاريخ بعد أيّام التشريع فهي من المسائل
7
المستحدثة التي ينبغي للفقيه استنباط الحكم الشرعي فيها لسدّ الحاجات المستجدّة للناس، وهذا هو المراد بالمسائل المستحدثة في بحثنا هذا بقطع النظر عن الاطّلاع أو عدم الاطّلاع فيها على رأي المرجع المتوفّى.
فالمسائل المستحدثة التي نحن بصددها في هذا البحث على ثلاثة أقسام: قسم منها يكون استحداثه على أساس المتعلّق، وقسم منها يكون استحداثه على أساس الموضوع، وقسم ثالث يكون استحداثه على أساس نفس الحكم، ولأجل توضيح هذه الأقسام الثلاثة، سنستعرض فيما يلي أمثلة ونماذج لكلّ منها:
الاستحداث الحاصل على أساس المتعلّق:
أمّا المسائل المستحدثة التي يكون استحداثها على أساس المتعلّق فمثالها: (التنويم المغناطيسي) و(لعبة الفنجان) وأمثالها من الأفعال التي لم تكن موجودة في أيّام التشريع حتّى يتعلّق بها الحكم ضمن الأدلّة الصادرة في ذلك العهد، ولكن لابدّ وأن يكون لها حكم واقعيّ مطلوب عند الله لزماننا هذا من حرمة أو إباحة أو نحو ذلك، فهي المتعلّق المباشر للحكم الواقعي المتوقّع صدوره من الله تعالى بلحاظ هذا الزمان رغم كونها من الاُمور المستجدّة بعد زمان التشريع بحسب التاريخ.
وقد يكون متعلّق حكم من الأحكام وارداً في دليل ذلك الحكم تحت عنوان معيّن، وكان لذلك العنوان مصاديق موجودة في أيّام التشريع ولكن تلك المصاديق إنّما كانت تعدّ مصاديق لذلك العنوان في الظروف والملابسات الشائعة
8
في ذلك العهد، وبتغيّر تلك الشروط والملابسات في طول التاريخ خرجت عن كونها مصاديق لذلك العنوان دون وقوع أيّ تغيّر مفهومي في ذلك العنوان، ثمّ تواجدت مصاديق اُخرى لنفس ذلك العنوان وبنفس مفهومه السابق بحسب الظروف والملابسات المستجدّة في طول التاريخ، وبذلك أصبح متعلّق ذلك الحكم مستحدثاً، من قبيل عنوان (الإحسان) الذي وقع متعلّقاً للوجوب في بعض المسائل الشرعيّة كوجوب الإحسان إلى الوالدين (((وبالوالدين إحساناً)))1
الإسراء 23.
أو وجوب التسريح بإحسان في طلاق المرأة (((الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)))2
البقرة 229.
أو غير ذلك من الموارد، فإنّه كان يكفي لصدق عنوان (الإحسان) في العهود القديمة تقديم ثوب واحد للمرأة وإسكانها في غرفة واحدة متواضعة وإعطاء شيء يسير من النفقة لها متناسباً مع الشروط والملابسات الشائعة في تلك العصور الماضية، ولكن أصبح مثل هذا العطاء والإسكان للمرأة في يومنا هذا ظلماً لها وتقصيراً بشأنها، ولا يتمّ الإحسان لها في الشروط والملابسات الحاكمة في جملة من مجتمعاتنا اليوم إلّا بتقديم ثياب فاخرة عديدة لها وإسكانها في دار واسعة مشتملة على غرف عديدة ونحو ذلك من النفقة ووسائل العيش الرغيد.
ومثل ذلك أيضاً عنوان (القمار) الذي وقع متعلّقاً للحرمة في الأدلّة

  • الإسراء 23.
  • البقرة 229.
9
الشرعيّة وكان لها جملة من المصاديق في عصر التشريع، ولكن قد يخرج بعض المصاديق القديمة عن مصداقيّتها لهذا العنوان في العصر الحديث، كما إذا خرجت لعبة معيّنة عن عادة المقامرة بها وأصبحت نوعاً من الرياضة الفكريّة فحسب، كما قد تتولّد لعبة حديثة للقمار ما كانت موجودة في العصور الماضية.
فمثل هذه العناوين المأخوذة في متعلّقات بعض الأحكام الشرعيّة وإن لم تكن مستحدثةً بحسب مصاديقها المناسبة للظروف والملابسات الحاكمة في العصور القديمة ولكنّها قد تعتبر مستحدثةً بحسب مصاديقها المناسبة للظروف والملابسات الحاكمة في العصر الحديث، وإن لم تتغيّر مفاهيمها الذهنيّة الملحوظة في أدلّة تلك الأحكام.
الاستحداث الحاصل على أساس الموضوع:
وأمّا المسائل المستحدثة التي يكون استحداثها على أساس الموضوع، فمثالها مسألة التنقّل بوسائل النقل الحديثة كالسيّارات والطائرات وغيرها، فإنّ فعل التنقّل يكون هو المتعلّق المباشر للحكم، ووسائل التنقّل تعتبر من المواضيع التي ليست متعلّقاً مباشراً للحكم وإنّما هي من متعلّق المتعلّق، وكذلك (آلات اللهو الحديثة) فإنّ المتعلّق المباشر للحرمة فيها عبارة عن اللعب أو الاستفادة العمليّة منها، وأمّا نفس الآلات فهي من الموضوعات الخارجيّة التي تعدّ من متعلّق المتعلّق، وهي وإن كان بعض مصاديقها موجودةً في زمن التشريع ولكن قد تواجدت مصاديق مستحدثة لها في العصور المتأخّرة.
10
ومن أمثلة الموضوع الخارجي المستحدث ما يسمّى بالموت السريري، ويقصد به تعطيل المخّ عن نشاطه الطبيعي مع بقاء قلبه نابضاً ومستمرّاً بضخّ الدم في العروق سواء كان بواسطة بعض الأجهزة الحديثة أو بصورة طبيعيّة، فإنّه إن كان يعدّ ميّتاً ترتّبت عليه جملة من الأحكام، كتقسيم أمواله على الورثة، وبينونة زوجته منه، وغير ذلك، بخلاف ما إذا اعتبرناه حيّاً فإنّه لا تترتّب عليه تلك الأحكام، وممّا يذكر أنّ حالة الموت السريريّ بالمعنى الذي ذكرناه لربّما كانت تحصل في العصور القديمة وفي أيّام التشريع أيضاً، ولكنّ العرف العام وعلماء الطب أيضاً ما كانوا يعتبرونه وقتئذٍ ميّتاً، بل كانوا يعدّونه مغمى عليه مثلاً وهو في حال الحياة مادام قلبه نابضاً وجهازه التنفّسي عاملاً أو غير عامل، وإنّما نعتبر ذلك من الموضوعات الخارجيّة المستحدثة لأنّ العلم الحديث في زماننا هذا صار يعتبره ميّتاً بعد استكشاف عطل الدماغ عنده.
ومن أمثلة الموضوع الخارجي المستحدث أيضاً الذهب المسلوب عنه لونه بطريقة علميّة حديثة فإنّه إن اعتبرناه ذهباً ترتّب عليه أحكام الذهب من حرمة لبس الرجل إيّاه وبطلان صلاة الرجل فيه وغير ذلك.
الاستحداث الحاصل على أساس نفس الحكم:
وأمّا المسائل المستحدثة التي يكون استحداثها على أساس نفس الحكم، فالمراد بها ما إذا كان نفس الحكم – بقطع النظر عن متعلّقه وموضوعه – من الأحكام غير الموجودة في زمن التشريع الإلهي، وإنّما وجد ذلك على يد العقلاء
11
أو الحكّام مثلاً في عصور متأخّرة، وهذا ما لا يحصل – طبعاً – في الأحكام التكليفيّة، لأنّ الأحكام التكليفيّة منحصرة في خمسة وكلّها كانت موجودة في أيّام التشريع الإلهي مهما كانت متعلّقاتها وموضوعاتها، والمطلوب في هذا القسم من المسائل المستحدثة أن يكون نفس الحكم المطروح فيها بقطع النظر عن متعلّقه وموضوعه جديد التواجد بعد زمان التشريع الإلهي ولو من قبل العقلاء أو الحكام مثلاً لا من قبل الشارع تبارك وتعالى.
ولهذا لو وجدنا بعض الأحكام التكليفيّة – كالوجوب أو الحرمة مثلاً – لم يكن متعلّقاً في زمن التشريع الإلهي بشيء معيّن، وإنّما تعلّق بذلك الشيء على يد العقلاء أو الحكّام بعد زمان التشريع الإلهي، فهذا لا يجعله من القسم الأخير من أقسام المسائل المستحدثة، لأنّ المطلوب في هذا القسم – كما ذكرنا – أن يكون الحكم بما هو حكم وبقطع النظر عن متعلّقه المعيّن أو موضوعه المعيّن غير موجودٍ في زمن التشريع الإلهي، ولا شكّ في أنّ مثل الوجوب والحرمة من الأحكام التكليفيّة كان موجوداً في زمن التشريع الإلهي كما هو واضح.
وعلى هذا الأساس لابدّ وأن نفتّش عن أمثلة هذا القسم من المسائل المستحدثة في غير الأحكام التكليفيّة، أعني الأحكام الوضعيّة.
وقد يمثّل لهذا القسم من المسائل المستحدثة في الأحكام الوضعيّة بمثل بعض العقود الحديثة كعقد التأمين وغيره، ولكنّ مثل هذا لو نظرنا إليه بدقّة لوجدنا أنّ نفس الحكم فيه ليس مستحدثاً وإنّما المستحدث متعلّق الحكم، ففي
12
مثل عقد التأمين نرى أنّ هذا العقد مصداق جديد لمتعلّق حكم تكليفي قديم وهو وجوب الوفاء بالعقد، أو لمتعلّق حكم وضعيّ قديم وهو نفوذ العقد بناءً على أنّ نفوذ محتوى العقود حكمٌ وضعيٌّ مجعول بجعل آخر غير جعل الوجوب التكليفي لوجوب الوفاء.
ولهذا قد يقال: إنّ المسائل المستحدثة لا يمكن أن ينشأ استحداثها من نفس الحكم، وبالتالي تنحصر المسائل المستحدثة بما ينشأ استحداثها من المتعلّق وما ينشأ استحداثها من الموضوع، ولا ثالث لهذين القسمين.
ولكنّ الصحيح أنّه إن قصد باستحداث نفس الحكم استحداث صدور حكم جديد من الشارع تبارك وتعالى بعد زمان التشريع فهذا غير ممكن كما هو واضح، وإن قصد به استحداث صدور حكم جديد من العقلاء أو الحكّام أو نحو ذلك بعد زمان التشريع الإلهي فهذا ممكن عقلاً في الأحكام الوضعيّة، وقد يكون واقعاً في بعض الأوساط العقلائيّة، كما يقال من جعل نوع جديد من الملكيّة في بعض الأوساط يسمّي بالملكيّة الأزمانيّة، بمعنى أن يكون الشيء الواحد ملكاً لفلان في الشهر الأوّل من كلّ سنة مثلاً، وملكاً لفلان في الشهر الثاني من كلّ سنة، وملكاً لشخص ثالث في الشهر الثالث من كلّ سنة، وهكذا بحيث يكون هذا معنىً جديداً لعنوان (الملكيّة) لا مصداقاً جديداً للملكيّة المعهودة في الشريعة الإسلاميّة.
ولا يخفى أنّ هذه الأقسام الثلاثة للمسائل المستحدثة قد يقع الشكّ في
13
أحكامها الشرعيّة على نحو الشبهة الحكميّة، وقد يقع الشكّ في أحكامها على نحو الشبهة الموضوعيّة، واستنباط الحكم في الشبهة الحكميّة يختلف حاله كثيراً عن استنباط الحكم في الشبهة الموضوعيّة كما سيأتي توضيحه في الأبحاث القادمة إن شاء الله تعالى.
وعلى كلّ حال فالمراد بالمسائل المستحدثة في بحثنا هذا – والتي سنبيّن أهمّيّتها الفائقة – إنّما هي المسائل التي يكون أحد أركان الحكم الثلاثة المذكورة فيها جديداً ومستحدثاً ولو في ظاهر الأمر بعد أيّام التشريع، كما وضّحنا ذلك ضمن الأمثلة الماضية.
2- أهمّيّة بحث المسائل المستحدثة
ولأجل التنبيه على أهمّيّة هذا البحث نشير إلى عدّة أمور: أوّلاً: إنّ لهذا البحث تأثيراً كبيراً على دفع اتّهام النقص وعدم الشمول عن الشريعة الإسلاميّة، إذ ما لم نستطع توضيح موقف الشريعة الإسلاميّة تجاه المسائل المستحدثة أمكن توجيه أصابع الاتّهام إلى هذه الشريعة الغرّاء بأنّها ناقصة وغير صالحة لوضع العلاج الناصع لتلك المسائل.
ثانياً: إنّ لهذا البحث تأثيراً كبيراً في المنع عن دخول الأفكار الأجنبيّة والثقافات الباطلة في الإسلام، فإنّ المساحة الواسعة التي استغرقتها المسائل
14
المستحدثة بعد زمان صدور التشريعات الإسلاميّة إلى يومنا هذا، من شأنها أن تكون مسرحاً يلعب فيه أعداء الإسلام من ناحية، ومرتعاً يستغلّه أصحاب البدع والنفاق من ناحية ثانية، ومخدعاً يبتلي به الجهّال والضعفاء من ناحية ثالثة، وينتهي الأمر إلى تشويه الإسلام وشريعته الغرّاء بإدخال ركام كبير جدّاً من الأفكار الفاسدة في الإسلام، وخلطها بين الأفكار الإسلاميّة الصحيحة بالنحو الذي يصعب فرزها بعد حين، ومن أهمّ ما يمكنه المنع عن هذا الخطر الفظيع قيام الأفاضل من العلماء الواعين الغيارى باستنباط الأحكام الشرعيّة الصحيحة في المسائل المستحدثة بالموازين والطرق المقبولة في الشريعة الإسلاميّة.
ثالثاً: ممّا يترتّب على الأمرين السابقين تأثير بحث المسائل المستحدثة في تفسير خاتميّة نبوّة نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذ هناك تسائل معروف يتداول كثيراً بين الأوساط الثقافيّة العامّة والخاصّة حول انقطاع النبوّة عن البشريّة منذ أكثر من أربعة عشر قرن رغم سوابق التجدّد في الشرائع السماويّة على يد عدد كبير من الأنبياء والرسل كان يبعثهم الله تبارك وتعالى لهداية البشريّة وتنظيم حياتهم الفرديّة والاجتماعيّة في فترات زمانيّة مختلفة كانت تستدعي تجدّد الشريعة الإلهيّة طبقاً لمتطلّبات العصور المختلفة التي مرّت على البشريّة في التاريخ، ولكنّها انقطعت بعد نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصبحت نبوّته هي النبوّة الخاتمة رغم تطوّر البشريّة واختلاف ظروفها وأحوالها في هذا التاريخ الطويل الذي مضى عليها بعد انقطاع الوحي الإلهي
15
عنها بوفاة النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله، فيا ترى ما السبب في عدم تجدّد النبوّة لسدّ الحاجات المستجدّة وتلبية المتطلبات المستحدثة في هذا الزمان الطويل؟ وما الفرق بين تطوّر ظروف البشريّة وأحوالها قبل بزوغ رسالة الإسلام على يد رسول الإنسانيّة (محمد) صلّى الله عليه آله وسلّم، وبين تطوّر ظروفها وأحوالها في القرون الطويلة التي أعقبت تلك الرسالة منذ انتهاء الوحي الإلهي بوفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم وإلى وقتنا الحاضر؟ وما هو السرّ في خاتميّة نبوّته ورسالته صلّى الله عليه وآله وعدم تجدّد الرسالة الإلهيّة لسدّ الحاجات المستجدّة عند الناس بعده؟1
وكأنّ اُستاذنا الشهيد آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الصدر قدّس سرّه كان بصدد الإجابة على هذه التساؤلات في إحدى محاضراته القيّمة التي ألقاها على طلّابه بمناسبة ذكرى بعثة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم (موسوعة الإمام الشهيد الصدر قدّس سرّه / الجزء 20 / المحاضرة رقم 2).
وما دمنا نحن الآن بصدد بيان أهمّيّة بحث المسائل المستحدثة نرى من المناسب استعراض خلاصة عابرة عمّا ذكره اُستاذنا الشهيد رحمه الله في هذه المحاضرة لكي يظهر بوضوح أنّ الجواب على هذه التساؤلات التي طرحناها لا يكتمل إلّا بضمّ بحث المسائل المستحدثة واستنباط أحكامها في ضوء الموازين والقواعد المستفادة من صميم الشريعة الإسلاميّة الغرّاء.
ذكر رحمه الله في هذه الحاضرة أربعة أسباب للتجديد والتغيير في النبوّة:
السبب الأوّل: استنفاد غرض النبوّة، وذلك فيما إذا كانت تلك النبوّة بالذات بمنزلة وصفة علاجيّة لمرض طارئ في حياة البشريّة.
السبب الثاني: انقطاع تراث النبوّة، وذلك فيما إذا تولّدت بعد موت شخص النبي ظروف انحرافيّة أكلت كلّ التراث الروحي والمفاهيمي الذي خلّفه ذلك النبي.
السبب الثالث: محدوديّة نفس النبي، حيث كان هناك – على ما تقوله الروايات – نبيٌّ للبشريّة، ونبيٌّ للجماعة، ونبيٌّ للقبيلة، وهناك نبوّات تختلف من حيث السعة والضيق باختلاف طبيعة النبيّ، وباعتبار مستوى كفاءته الفكريّة والعلميّة.
السبب الرابع: عبارة عن تطوّر الإنسان المدعوّ، أي البشريّة ذاتها، التي بعث الله تعالى لها الأنبياء والرسل.
وقد ذكر رحمه الله ثلاثة خطوط يمكن أن تتطوّر فيها الإنسانيّة على مرّ التاريخ، إلّا أنّ العمل التغييري في النبوّة يرتبط – على ما جاء في هذه المحاضرة – بالتطوّر الحاصل في الخطّين الأوّلين من هذه الخطوط، لا بالتطوّر الحاصل في الخطّ الثالث منها، وهي:
الخطّ الأوّل: عبارة عن خطّ وعي التوحيد.
الخطّ الثاني: عبارة عن خطّ تحملّ أعباء المسؤوليّة الأخلاقيّة للدعوة إلى رسالة ذلك النبي.
الخطّ الثالث: عبارة عن خط سيطرة الإنسان على الكون والطبيعة.
فلو كانت النبوّة مرتبطة بهذا الخطّ الثالث أيضاً لتحتّم أن تتغيّر النبوّات على مرّ الزمن، وإلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة، ولكنّ النبوّة غير مرتبطة بهذا الخطّ حسب ما يقوله اُستاذنا الشهيد رحمه الله.
وبما أنّ رسالة نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يبتل بشيء من الأسباب الثلاثة الاُولى لتغيير النبوّة، كما أنّنا لا نجد أيّ تغيّر حقيقيّ في الخطّين الأوّلين من الخطوط الثلاثة المذكورة في السبب الرابع، منذ جاءت الشريعة الإسلاميّة الغرّاء إلى يومنا هذا، وإنّما نجد التغيّر الواسع جدّاً في الخطّ الثالث الذي هو خارج نطاق عمل النبوّة، فمن الطبيعي أن تتوقّف النبوّة وتنتهي بنبوّة نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم.
هذا ما يستفاد من محاضرة اُستاذنا الشهيد قدّس سرّه في مجال البحث عن أسباب تجديد النبوّة.
ورغم كلّ الإبداع الموجود في هذه المحاضرة والفكر القيّم المطروح فيها، إلّا أنّ قبول التحليل والتفسير الموجودين فيها لعدم تجدّد النبوّة بعد نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، يبتني على إثبات الاُمور التالية:
أوّلاً: انحصار أسباب تجديد النبوّة بالأسباب الأربعة التي ذكرها رحمه الله في هذا المجال.
وثانياً: عدم ابتلاء نبوّة نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بشيء من الأسباب الثلاثة الاُولى.
وثالثاً: انحصار ملامح التطوّر الذي تحصل عليه البشريّة في طول التاريخ بالخطوط الثلاثة التي ذكرها اُستاذنا الشهيد رحمه الله ضمن السبب الرابع من الأسباب التي طرحها لتجديد النبوّة.
ورابعاً: عدم حصول أيّ تطوّر في المجتمع البشريّ بعد نبوّة نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى زماننا هذا في نطاق الخطّين الأوّلين من تلك الخطوط الثلاثة.
وخامساً: أنّ الخطّ الثالث الذي تطوّرت فيه أحوال البشريّة طول التاريخ لا يستدعي تجديد النبوّة.
ولعلّ اُستاذنا الشهيد رحمه الله إنّما لم يتصدّ في محاضرته هذه لإثبات هذه الاُمور الخمسة لأن محاضرته هذه لم تكن تعبّر عن بحث علميّ معمّق، وإنّما كانت بحثاً ثقافيّاً عامّاً، أو أنّه كان بصدد عرض تفسير احتماليّ معقول لعدم تجدّد النبوّة بعد نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، لا بصدد الإثبات القطعيّ لذلك.
وعلى كلّ حال يمكن لقائل أن يقول: إنّ المسائل المستحدثة الكثيرة جدّاً التي دخلت في مجال حاجة الناس جميعاً بعد زمان المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام إلى زماننا هذا إمّا تشكّل سبباً رئيسيّاً جديداً للحاجة إلى تجدّد النبوّة.
وإمّا تشكّل خطّاً جديداً من خطوط السبب الرابع من أسباب تجديد النبوّة، مع كون هذا الخطّ الجديد داخلاً في نطاق مهام النبوّة، ممّا تستدعي تجديد النبوّة لأجله.
وإمّا أنّها داخلة في الخطّ الثالث من الخطوط المطروحة في السبب الرابع، ولكن ليس هذا الخطّ الثالث بإطلاقه خارجاً عن نطاق مهام النبوّة، كما صوّره اُستاذنا الشهيد رحمه الله، فتبقى الحاجة إلى تجديد النبوّة رغم كونها من الخطّ الثالث.
وهكذا تبقى المسائل المستحدثة أكبر عقبة أمام قبول التحليل والتفسير الذي طرحه اُستاذنا الشهيد رحمه الله لعدم تجديد النبوّة من قبل الله تبارك وتعالى لصالح البشريّة في هذا الزمان الطويل الذي مضى عليها بعد النبوّة الخاتمة.
ولأجل رفع هذه العقبة لابدّ من الخوض في بحث المسائل المستحدثة، كي يتّضح إمكان استنباط أحكامها الشرعيّة من خلال الأدلّة الواصلة إلينا، سواء في قالب الأحكام الواقعيّة، أو في قالب الأحكام الظاهريّة.

  • وكأنّ اُستاذنا الشهيد آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الصدر قدّس سرّه كان بصدد الإجابة على هذه التساؤلات في إحدى محاضراته القيّمة التي ألقاها على طلّابه بمناسبة ذكرى بعثة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم (موسوعة الإمام الشهيد الصدر قدّس سرّه / الجزء 20 / المحاضرة رقم 2).
    وما دمنا نحن الآن بصدد بيان أهمّيّة بحث المسائل المستحدثة نرى من المناسب استعراض خلاصة عابرة عمّا ذكره اُستاذنا الشهيد رحمه الله في هذه المحاضرة لكي يظهر بوضوح أنّ الجواب على هذه التساؤلات التي طرحناها لا يكتمل إلّا بضمّ بحث المسائل المستحدثة واستنباط أحكامها في ضوء الموازين والقواعد المستفادة من صميم الشريعة الإسلاميّة الغرّاء.
    ذكر رحمه الله في هذه الحاضرة أربعة أسباب للتجديد والتغيير في النبوّة:
    السبب الأوّل: استنفاد غرض النبوّة، وذلك فيما إذا كانت تلك النبوّة بالذات بمنزلة وصفة علاجيّة لمرض طارئ في حياة البشريّة.
    السبب الثاني: انقطاع تراث النبوّة، وذلك فيما إذا تولّدت بعد موت شخص النبي ظروف انحرافيّة أكلت كلّ التراث الروحي والمفاهيمي الذي خلّفه ذلك النبي.
16

  • السبب الثالث: محدوديّة نفس النبي، حيث كان هناك – على ما تقوله الروايات – نبيٌّ للبشريّة، ونبيٌّ للجماعة، ونبيٌّ للقبيلة، وهناك نبوّات تختلف من حيث السعة والضيق باختلاف طبيعة النبيّ، وباعتبار مستوى كفاءته الفكريّة والعلميّة.
    السبب الرابع: عبارة عن تطوّر الإنسان المدعوّ، أي البشريّة ذاتها، التي بعث الله تعالى لها الأنبياء والرسل.
    وقد ذكر رحمه الله ثلاثة خطوط يمكن أن تتطوّر فيها الإنسانيّة على مرّ التاريخ، إلّا أنّ العمل التغييري في النبوّة يرتبط – على ما جاء في هذه المحاضرة – بالتطوّر الحاصل في الخطّين الأوّلين من هذه الخطوط، لا بالتطوّر الحاصل في الخطّ الثالث منها، وهي:
    الخطّ الأوّل: عبارة عن خطّ وعي التوحيد.
    الخطّ الثاني: عبارة عن خطّ تحملّ أعباء المسؤوليّة الأخلاقيّة للدعوة إلى رسالة ذلك النبي.
    الخطّ الثالث: عبارة عن خط سيطرة الإنسان على الكون والطبيعة.
    فلو كانت النبوّة مرتبطة بهذا الخطّ الثالث أيضاً لتحتّم أن تتغيّر النبوّات على مرّ الزمن، وإلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة، ولكنّ النبوّة غير مرتبطة بهذا الخطّ حسب ما يقوله اُستاذنا الشهيد رحمه الله.
    وبما أنّ رسالة نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يبتل بشيء من الأسباب الثلاثة الاُولى لتغيير النبوّة، كما أنّنا لا نجد أيّ تغيّر حقيقيّ في الخطّين الأوّلين من الخطوط الثلاثة المذكورة في السبب الرابع، منذ جاءت الشريعة الإسلاميّة الغرّاء إلى يومنا هذا، وإنّما نجد التغيّر الواسع جدّاً في الخطّ الثالث الذي هو خارج نطاق عمل النبوّة، فمن الطبيعي أن تتوقّف النبوّة وتنتهي بنبوّة نبيّ الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم.
    هذا ما يستفاد من محاضرة اُستاذنا الشهيد قدّس سرّه في مجال البحث عن أسباب تجديد النبوّة.
    ورغم كلّ الإبداع الموجود في هذه المحاضرة والفكر القيّم المطروح فيها، إلّا أنّ قبول التحليل والتفسير الموجودين فيها لعدم تجدّد النبوّة بعد نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، يبتني على إثبات الاُمور التالية:
    أوّلاً: انحصار أسباب تجديد النبوّة بالأسباب الأربعة التي ذكرها رحمه الله في هذا المجال.
17

  • وثانياً: عدم ابتلاء نبوّة نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم بشيء من الأسباب الثلاثة الاُولى.
    وثالثاً: انحصار ملامح التطوّر الذي تحصل عليه البشريّة في طول التاريخ بالخطوط الثلاثة التي ذكرها اُستاذنا الشهيد رحمه الله ضمن السبب الرابع من الأسباب التي طرحها لتجديد النبوّة.
    ورابعاً: عدم حصول أيّ تطوّر في المجتمع البشريّ بعد نبوّة نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى زماننا هذا في نطاق الخطّين الأوّلين من تلك الخطوط الثلاثة.
    وخامساً: أنّ الخطّ الثالث الذي تطوّرت فيه أحوال البشريّة طول التاريخ لا يستدعي تجديد النبوّة.
    ولعلّ اُستاذنا الشهيد رحمه الله إنّما لم يتصدّ في محاضرته هذه لإثبات هذه الاُمور الخمسة لأن محاضرته هذه لم تكن تعبّر عن بحث علميّ معمّق، وإنّما كانت بحثاً ثقافيّاً عامّاً، أو أنّه كان بصدد عرض تفسير احتماليّ معقول لعدم تجدّد النبوّة بعد نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم، لا بصدد الإثبات القطعيّ لذلك.
    وعلى كلّ حال يمكن لقائل أن يقول: إنّ المسائل المستحدثة الكثيرة جدّاً التي دخلت في مجال حاجة الناس جميعاً بعد زمان المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام إلى زماننا هذا إمّا تشكّل سبباً رئيسيّاً جديداً للحاجة إلى تجدّد النبوّة.
    وإمّا تشكّل خطّاً جديداً من خطوط السبب الرابع من أسباب تجديد النبوّة، مع كون هذا الخطّ الجديد داخلاً في نطاق مهام النبوّة، ممّا تستدعي تجديد النبوّة لأجله.
    وإمّا أنّها داخلة في الخطّ الثالث من الخطوط المطروحة في السبب الرابع، ولكن ليس هذا الخطّ الثالث بإطلاقه خارجاً عن نطاق مهام النبوّة، كما صوّره اُستاذنا الشهيد رحمه الله، فتبقى الحاجة إلى تجديد النبوّة رغم كونها من الخطّ الثالث.
    وهكذا تبقى المسائل المستحدثة أكبر عقبة أمام قبول التحليل والتفسير الذي طرحه اُستاذنا الشهيد رحمه الله لعدم تجديد النبوّة من قبل الله تبارك وتعالى لصالح البشريّة في هذا الزمان الطويل الذي مضى عليها بعد النبوّة الخاتمة.
    ولأجل رفع هذه العقبة لابدّ من الخوض في بحث المسائل المستحدثة، كي يتّضح إمكان استنباط أحكامها الشرعيّة من خلال الأدلّة الواصلة إلينا، سواء في قالب الأحكام الواقعيّة، أو في قالب الأحكام الظاهريّة.
18
ولا شكّ في أنّ من أهمّ ما له دخل في الجواب على هذه التساؤلات ودفع الشبهة الحاصلة منها هو التمكّن من استنباط أحكام المسائل المستحدثة بالموازين والطرق المستخرجة من نفس الرسالة الإسلاميّة الغرّاء، حتّى لا تُجعل المسائل المستحدثة ذريعةً لدعوى الحاجة إلى تجديد النبوّة بعد الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
3- قواعد ومباني مشتركة في المسائل المستحدثة
ثمّ إنّ عدداً واسعاً من المسائل المستحدثة يشترك في قواعد ومباني علميّة عامّة، وهي وإن لم تكن مختصّةً بتلك المسائل ولكنّها ممّا لايستغني عنها الباحث فيها وينبغي له الإلمام بها قبل الخوض في تفاصيلها واستنباط الحكم الشرعي فيها.
ونحن قد وضعنا بحثنا هذا لعرض ما هو الأهمّ من تلك القواعد والمباني العامّة عسى أن ينفع الله تعالى به الباحثين في تلك المسائل ويعبّد لهم الطريق بذلك للقيام بمهمّة استنباط الحكم الشرعي فيها بصورة تفصيليّة.
وسنعرض ماخترناه من تلك المباني العامّة – بعد هذه المقدّمة – ضمن سبعة فصول:
الفصل الأوّل: في بيان (المرجع في الشبهات الموضوعيّة) حيث إنّ هناك
19
مساحةً واسعة من المسائل المستحدثة ضمن الشبهات الموضوعيّة، ولأجل تعيين وظيفة المكلّف فيها لابدّ من معرفة ما ينبغي الرجوع إليه في الشبهات الموضوعيّة بصورة عامّة، فهل أنّ حال الشبهات الموضوعيّة كحال الشبهات الحكميّة من حيث وجوب الرجوع فيها إلى المجتهد العادل الجامع لشرائط التقليد، أو ينبغي الرجوع فيها إلى مرجع آخر؟
الفصل الثاني: في بيان فكرة (تبعيّة الأحكام للملاكات) حيث اشتهر بين أصحابنا رضوان الله تعالى عليهم أنّ الأحكام الشرعيّة تابعة لملاكات موجودة في متعلّقاتها، فيقع السؤال عن مدى صحّة هذه الفكرة، وهل يمكن استنباط الحكم على أساس الملاك فيما إذا قصر الدليل، كما في المسائل المستحدثة؟
الفصل الثالث: في بيان فكرة (تبعيّة الأحكام للعناوين) حيث اشتهر بين أصحابنا رضي الله تعالى عنهم أيضاً أنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للعناوين الواردة في أدلّتها الشرعيّة، فيقع السؤال عن مدى صحّة هذه الفكرة، وما هي النسبة بينها وبين فكرة تبعيّة الأحكام للملاكات، وماذا نصنع في المسائل التي لا نجد عناوينها في الأدلّة الشرعيّة كما في المسائل المستحدثة؟
الفصل الرابع: في بيان (ضوابط إسناد الفعل إلى الفاعل) حيث إنّ كثيراً من الأحكام الشرعيّة تابعة لصدق نسبة الفعل إلى فاعل معيّن مثل حكم (القصاص) و(الدية) و(ضمان التلف) وغير ذلك، والمسائل المشتملة على هذه الأحكام كثيراً ما تكون من المسائل المستحدثة، فيقع السؤال عن الضوابط
20
والموازين العامّة لصدق إسناد الفعل إلى فاعل معيّن مع أخذ المسائل المستحدثة بعين الاعتبار.
الفصل الخامس: في بيان الرأي المتّبع عند (الاختلاف بين التشخيص العرفي والتشخيص العلمي) حيث إنّ التشخيص الحاصل لمتعلّقات الأحكام أو لموضوعاتها كثيراً ما يقع فيه الاختلاف بين الفهم العرفي وبين الفهم الحاصل من خلال العلوم والمختبرات الحديثة، والحكم الشرعي يختلف باختلاف التشخيصين، فيقع الكلام فيما ينبغي اتّباعه من الرأيين الحاصلين بهذين التشخيصين.
الفصل السادس: في البحث عن مدى (تأثير الحكم الولائي في المسائل المستحدثة) حيث إنّ المسائل المستحدثة سواء كانت من الشبهات الموضوعيّة أو من الشبهات الحكميّة تارةً يراد استنباط حكمها الإلهي على مستوى الحكم الواقعي أو على مستوى الحكم الظاهري، وتارةً اُخرى يراد تعيين حكمها بإعمال الولاية من قبل ولي الأمر الشرعي في كلّ عصر بحسبه، بعد تعيين وليّ الأمر الشرعي بحسب أيّ مذهب من المذاهب التي تقبل بأصل فكرة الولاية الشرعيّة لغير المعصومين عليهم الصلاة والسلام، سواء كان هو الفقيه الجامع للشرائط، أو كان هو الحاكم المنصوب برأي أكثريّة الناس، أو كان هو المتصدّي للولاية بأيّ وجه آخر يؤمن به بعض طوائف المسلمين، فيقع الكلام في مدى إمكان التصدّي لإعمال الولاية في موارد المسائل المستحدثة من قبل وليّ الأمر الشرعي عند كلّ طائفة بحسبها، ومدى تأثير ذلك على حلّ مشاكل المسائل المستحدثة.
21
الفصل السابع: في مدى تأثير النتائج النهائيّة للفصول السابقة على (مدخليّة الزمان والمكان في الأحكام) حيث إنّ دخالة الزمان والمكان في الأحكام الشرعيّة لابدّ وأن تنضبط وفقاً للضوابط العامّة الدخيلة فيها، كي لا تكون عشوائيّةً واشتهائيّة، كما هو واضح، فيقع الكلام في مدى مدخليّة الزمان والمكان في الأحكام الشرعيّة في ضوء النتائج التي حصلنا عليها في بيان القواعد والمباني العامّة السابقة.
وسنتحدّث في خاتمة البحث حول (تفسير حقيقة الأوراق النقديّة وبيان الأحكام المترتّبة على ذلك).
والحمد لله أوّلاً وآخراً، وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
22