أصول الفقه – يوم الإثنين ٢٨ ربيع الثاني ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
إصلاحات للدرس السابق
ذكرنا في الدرس السابق أنّه إذا جرت أصالة الطهارة في شيء فهي لا تمنع عن أصالة الإباحة في ذلك الشيء، لكنّه يخالف رأي الأصحاب، بل يقولون بالعكس وبأنّه بما أنّ أصالة الإباحة في طول أصالة الطهارة فمع جريان أصالة الطهارة لا تصل النوبة إلى أصالة الإباحة، وإذا سقطت أصالة الطهارة فبعد ذلك تصل النوبة إلى أصالة الإباحة، كما نقلنا عن السيّد حيدر رضوان الله تعالى عليه.
وأيضاً قلنا في الدرس السابق: بناءً على أنّ دليل أصالة الإباحة (كلّ شيء مباح) لا يشمل إباحة الصلاة في الثوب وأنّه يختصّ بالمأكولات والمشروبات – ولعله المشهور – فلنبدّل المثال بشيء من المأكولات.
هذا الكلام أيضاً ليس في محلّه؛ لأنّه بالمقدار الذي يُنقل من السيّد حيدر إنّه لا يشير إلى أصالة الإباحة في الملاقي حتّى نقول أنّ هذا الملاقي ثوب أو شيء من المأكولات؟ وإنّما هو يشير إلى أصالة الإباحة في نفس الطرف الذي سمّيناه باء، ففي هذا الطرف قال بأنّ أصالة الطهارة فيه تتساقط مع أصالة الطهارة في ألف، ثمّ تصل النوبة إلى أصالة الإباحة؛ لأنّ أصالة الإباحة في طول أصالة الطهارة، فإذا سقطت أصالة الطهارة في باء – لا في الثوب – تصل النوبة إلى أصالة الإباحة، وأصالة الإباحة هذه تصير في عرض أصالة الطهارة في الثوب الملاقي.
الشبهة الحيدريّة بناءً على ما جاء في تقرير دروس الشهيد الصدر رحمه الله
كان حاصل ما جاء في تقرير أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه من كلام السيّد حيدر ردّاً على بيان الشيخ الأنصاري رضوان الله تعالى عليهما أنّ أصالتي الطهارة في ألف وباء يتعارضان ويتساقطان، وكما أنّ هناك أصلاً طوليّاً لأصالة الطهارة في ألف – وهي أصالة الطهارة في الملاقي – كذلك يوجد أصل طوليّ لأصالة الطهارة في باء، وهي أصالة الإباحة [في نفس باء]؛ لأنّها في طول أصالة الطهارة في رأيهم؛ لأنّ الشكّ في الإباحة ناشئ من الشكّ في الطهارة. وهذان الأصلان (أي أصالة الإباحة في باء التي في طول أصالة الطهارة مع أصالة الطهارة في الملاقي لألف التي في طول أصالة الطهارة في ألف) الطوليّان يتعارضان ويتساقطان. وبالنتيجة لا تبقى أصل مؤمّن لصالح هذا الملاقي، فيجب الاجتناب عنه خلافاً للشيخ الأنصاريّ رضوان الله تعالى عليه.
تكملة الشبهة بناءً على ما جاء في مصباح الأصول
ولكن في كتاب مصباح الأصول[1] للسيّد البهسوديّ لتقرير بحث السيّد الخوئي (رحمهما الله) – وهو تقرير للجزء الثاني للكفاية من أبحاث السيّد الخوئيّ التي لا يوجد في تقرير الشيخ الفيّاض الله يمنّ عليه بالصحّة والعافية – وجدنا تكملةً لكلام السيّد حيدر رضوان الله تعالى عليه، وهي أنّه إذا كان الملاقي لألف ثوباً – لا شيئاً مأكولاً – والثوب لا يجري فيه أصالة الإباحة بل أصالة الطهارة فقط فعندئذ تسقط أصالة طهارته بالتعارض مع أصالة الإباحة في باء، ولكن إذا كان الملاقي لألف شيئاً قابلاً للأكل والشرب فتجري فيه أصالة الطهارة بطبعه وكذلك أصالة الإباحة [في طول أصالة طهارته]. ولكن بما أنّ أصالة الطهارة مقدّمة رتبةً على أصالة الإباحة فيجري التعارض والتساقط بين أصالة الإباحة في باء وبين أصالة الطهارة في هذا الملاقي، وتحيا أصالة الإباحة في الملاقي، كما مرّ في باء، وبالتالي يبنى فيه على جواز أكله وشربه. نعم إذا كان ثوباً فالنتيجة أنّه يجب الامتناع عنه في الصلاة؛ لأنّ أصالة الإباحة لا تجري في الثوب بناءً على أنّ دليل أصالة الإباحة تختصّ بالأكل والشرب، وأمّا أصالة الطهارة حسب بيان المرحوم السيّد حيدر فتساقطت مع أصالة الإباحة في باء فلا يبقى أصل مؤمّن في الملاقي، بينما إذا كان من المأكولات والمشروبات فحينئذ بعد سقوط أصالة الطهارة تصل النوبة إلى أصالة الإباحة هذه فيجوز أكله وشربه.
فهذه التكملة المفرّقة بين الحالتين إنّما جاءت في مصباح الأصول للسيد البهسوديّ.
وبعد هذا لنتكلّم في كلام الشيخ النائيني رضوان الله تعالى عليه لعلاج الشبهة الحيدريّة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين
والحمد لله ربّ العالمين.