أصول الفقه – يوم السبت ٣ جمادى الأولى ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
خلاصة الدرس السابق
قلنا إنّ المحقّق العراقيّ رضوان الله تعالى عليه صوّر لنا أنّ هذين العلمين الإجماليّين – أي العلم الإجماليّ بنجاسة إمّا ألف أو باء والعلم الإجماليّ بنجاسة إمّا باء أو ملاقي ألف – تارة يكون هذا متقدّماً رتبة وذاك متأخّراً، وتارة بالعكس، وتارة ثالثة يكونان متساويين في الرتبة. وقال إذا كانا متساويين رتبة لا ينحلّ هذا بذاك ولا ذاك بهذا، فيجب الاحتياط في كلّ الأمور الثلاثة.
وأمّا في الصورة الأولى والثانية فالمتقدّم رتبة يوجب الانحلال الحكميّ للمتأخّر رتبة، سواء كان العلم الإجماليّ الأوّل متقدّماً أو بالعكس.
ويمكن أن يثار تساؤل أمام هذا البيان وهو أنّه لماذا قال إنّ المتقدّم رتبة يوجب الانحلال الحكمي للمتأخّر ولم يقل إنّ المتقدّم زماناً يوجب انحلال المتأخّر زماناً؟
فقلنا يمكن استخلاص جواب من خلال كلماته رضوان الله تعالى عليه، وحاصله أنّه لو حسبنا الحساب بمقتضى الزمان فلا يوجد التقدّم والتأخّر الزمانيّ حقيقة، حتّى [بالنسبة إلى] الذي نسمّيه – تسامحاً – المتقدّم زماناً والآخر المتأخّر زماناً، فهما في الحقيقة مستويان زماناً؛ لأنّ المتقدّم زماناً يكون تأثيره للزمان المتأخّر بوجوده البقائيّ لا بوجوده في الزمان الأوّل؛ لأنّ العلم الإجماليّ بوجوده في الزمان الأوّل لا يؤثّر في الزمان الثاني وإنّما يؤثّر في الزمان الثاني بوجوده البقائيّ إلى حدّ الزمان الثاني، فمن حيث الزمان متساويان دائماً بخلاف الرتبة حيث تكون حقيقة فلا يكون المتقدّم رتبة في رتبة المتأخّر رتبة.
ولكن يبقى إشكالان
الإشكال الأوّل: أنّ التقدّم والتأخّر الرتبيّين لا يوجد بين العلمين الإجماليّين؛ لأنّ العلم الإجماليّ الأوّل له أثران في عرض واحد – أي هو علّة لشيئين – وهما تنجيزه لطرفيه وتوليده العلم الإجماليّ الثاني بعد حصول الملاقاة بين الثوب وألف، وبالتالي يكون تأثير هذا العلم الإجماليّ الأوّل لتنجيز طرفي العلم الإجماليّ الثاني في رتبة تأثير العلم الإجماليّ الثاني لطرفيه، يعني أنّا لا نقدر أن نقول تأثير العلم الإجماليّ الأوّل في تنجيز طرفي العلم الإجماليّ الثاني في رتبة تأثيره لنفس العلم الإجماليّ الثاني، فطرفا العلم الإجماليّ الثاني تنجّزا بالعلم الإجماليّ الأوّل وبالعلم الإجماليّ الثاني أيضاً، ولكن تنجيزهما في رتبة واحدة؛ لما قلنا من أنّ العلم الإجماليّ الأوّل له أثران في رتبة واحدة، فيكون مساهمته في تنجيزه طرفي العلم الإجماليّ الثاني في نفس رتبة تنجيز العلم الإجماليّ الثاني لطرفيه، فتنجيز العلم الإجماليّ الثاني لطرفيه يكون بتأثير العلمين الإجماليّين معاً في رتبة واحدة، فالعلم الإجماليّ الأوّل حاله حال العلم الإجماليّ الثاني؛ لأنّه ينجّز طرفيه وهما ألف وباء، وأيضاً يولّد العلم الإجماليّ الثاني في نفس الرتبة.
فالاختلاف الرتبيّ الذي يريده المحقّق العراقيّ غير صحيح؛ لأنّه يريد اختلاف الرتبة لتنجيز طرفي العلم الإجماليّ الثاني حيث يقول: يوجد اختلاف الرتبة بين هذين العلمين الإجماليّين. فيقصد به أنّه بلحاظ طرفي العلم الإجماليّ الثاني يكون العلم الإجماليّ الأوّل مقدّماً رتبة والعلم الإجماليّ متأخّراً رتبة وبهذا التوضيح ظهر أنّه لأجل تنجيز طرفي العلم الإجماليّ الثاني يكون تأثير العلم الإجماليّ الأوّل وتأثير العلم الإجماليّ الثاني على مستوى واحد وعرض واحد وليس في الرتبتين.
والحمد لله ربّ العالمين.