أصول الفقه – يوم الاثنين ٧ ربيع الثاني ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
خلاصة الدرس السابق
قلنا يوجد تقريبان للقول بعدم وجوب الاجتناب عن الثوب الملاقي لأحد طرفي العلم الإجماليّ.
وكانت التقريب الأوّل يبتني على فكرة أنّ هذا مصداق من مصاديق بحث اشتراك العلمين الإجماليّين في طرف واحد.
والتقريب الثاني كان عبارة عن أنّ الأصل المؤمّن في طرف باء قد تساقط مع الأصل المؤمّن في طرف ألف، فلم يبق أصل مؤمّن في باء حتّى يتعارض مع الأصل المؤمّن في الثوب وبالتالي يجري الأصل المؤمّن في الثوب بلا معارض.
حكم ما إذا تلف الطرف الذي لاقاه الثوب
وأثار أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه كلاماً حول ما إذا كان طرف ألف الذي لاقى الثوب قد تلف قبل حصول العلم الإجماليّ فحصل العلم الإجماليّ بأنّه إمّا هذا التالف كان نجساً قبل تلفه وإمّا باء نجس، ففي هذه الحالة يمكن أن يقال بعدم تماميّة شيء من التقريبين وبالتالي لزوم الاحتياط من الثوب.
وجه انتفاء التقريب الأوّل
والتقريب الأوّل ينتفي؛ لأنّ العلم الإجماليّ لا يبقى بعد ما كان أحد طرفيه تالف، وهذا الطرف التالف لا يترتّب على طهارته ونجاسته أثر بعد تلفه، وبالتالي ليس لدينا العلم الإجماليّ الأوّل بين ألف وباء؛ لأنّ ألف تالف، فالعلم الإجماليّ قد انتفى فليس ذلك من مصاديق بحث العلمين الإجماليّين في طرف.
وجه انتفاء التقريب الثاني
وأمّا التقريب الثاني فيقال أيضاً بانتفائه وزواله، وذلك لأنّ هذا التقريب يقول بأنّ الأصل المؤمّن كأصل الطهارة في باء قد تساقط مع الأصل المؤمّن في ألف فليس لدينا أصل مؤمّن في باء حتّى يعارض الأصل المؤمّن في الثوب، ولكنّه ما دام ألف تالفاً فالأصل المؤمّن في باء لا يسقط؛ لأنّه لا يوجد أصل مؤمّن في ألف (التالف) حتّى يعارضه. فإنّه لا أثر لإجراء البراءة عن الطرف التالف، وما دام إجراء الأصل المؤمّن في شيء تالف لا أثر له فلا يكون أصل مؤمّن في هذا التالف حتّى يتعارض مع الأصل المؤمّن في باء، فالأصل المؤمّن في باء يبقى ثابتاً ويتعارض مع الأصل المؤمّن في الثوب. فالأصل المؤمّن في الثوب يسقط للتعارض مع الأصل المؤمّن في باء. هذا وجه عدم جريان التقريب الثاني.
الإشكال في وجه انتفاء التقريب الثاني
ويقول أخيراً أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه – دفاعاً عن التقريب الثاني – بأنّ كون طرف ألف تالفاً لا يؤثّر على هذا التقريب الثاني، نعم يبطل التقريب الأوّل، ولكنّ التقريب الثاني لا يبطل لتلف ألف.
وتوضيح ذلك أنّ وجه بطلان التقريب الثاني هو أنّ ألف ما دام تالفاً لا يجري في طرفه أصل الطهارة أو أيّ أصل من الأصول المؤمّنة؛ لأنّه لا أثر له. وإذن يحيى الأصل المؤمّن في باء فيجري وبالتالي يتعارض مع الأصل المؤمّن في الثوب.
وهذا التقريب يمكن أن نردّ عليه بأنّ الأصل المؤمّن في التالف [رغم تلفه] له أثر شرعيّ، فلا يمكن القول بأنّ الأصل المؤمّن كأصل الطهارة لا يجري فيه، بل يجري رغم كونه تالفاً؛ لأنّه يترتّب عليه أثر، والأثر الشرعيّ المترتّب على أصل الطهارة في هذا التالف هو البناء على طهارة الثوب الملاقي له؛ إذ قلنا بأنّ الشكّ في ألف والشكّ في الثوب من الشكّ السببيّ والمسبّبيّ فإذا جرى الأصل المؤمّن في الشكّ السببيّ يؤثّر في المسبّب.
فلا يبطل العلم الإجماليّ الأوّل بكون أحد طرفيه تالفاً؛ لأنّه – رغم كونه تالفا – صالح للأصل المؤمّن، وما دام صالحاً له وباء أيضاً صالح له فالعلم الإجماليّ يوجب تعارضهما وتساقطهما، وبالتالي يرجع إلى ما قلنا من أنّه لا يوجد بعده أصل مؤمّن في باء وبالتالي يجري الأصل المؤمّن في الثوب بدون معارض، فهذا التلف لا يبطل التقريب الثاني، بل يبقى على ما هو عليه من أنّ أصل البراءة للباء يتعارض ويتساقط مع أصل البرائة في ألف رغم كونه تالفاً. فيبقى الأصل المؤمّن في الثوب بدون معارض.
وبهذا التقريب يتّضح أنّه لو ابتلي الطرف الملاقي مع الثوب بأيّ مسقط من مسقطات التكليف (من التلف والاضطرار والعجز) فلا وجه لانتفاء التقريب الثاني في عدم لزوم الاحتياط في الثوب.
هذا هو تحقيق أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه في هذه المسألة.
والحمد لله ربّ العالمين