أصول الفقه – يوم الإثنين، ٢٥ جمادى الثانية ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
قلنا إنّ حكم الثوب على مبنى المحققّ العراقيّ والمحققّ النائينيّ بعد تضمينه بنظريّة المحققّ العراقيّ رضوان الله تعالى عليهما هو عدم وجوب الاجتناب عن الثوب؛ لأنّه بعد رجوع ألف إلى محلّ الابتلاء أصبح العلم الإجماليّ بين ألف وباء غير مبتلى بخروج أحد طرفيه عن محلّ الابتلاء، فهذا العلم الإجماليّ يوجب انحلال العلم الإجماليّ بين باء والثوب؛ لأنّه أسبق رتبة منه وبالتالي لا يجب الاجتناب عن الثوب لانحلال العلم الإجماليّ بين باء والثوب.
مناقشة في نتيجة البحث في الجهة الثالثة على مبنى المحقّق العراقي والمحقّق النائيني رحمهما الله
ولكن قد يورد على ذلك بإيراد. وهو بطبعه غريب، ولكن أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه حاول أن يردّ عليه.
وهذا الإيراد يقول بأنّ هذا الزمان الذي يمرّ بما قبل رجوع ألف إلى محلّ الابتلاء وبعد ذلك يأتي ويشمل [ما] بعد الرجوع إلى محلّ الابتلاء نقسّمه بالنصف إلى مقطع منه قبل رجوع ألف إلى محلّ الابتلاء ومقطع منه بعد رجوع ألف محلّ الابتلاء، فسيوجد عندنا علم إجماليّ تدريجيّ وهو علم إجماليّ أحد طرفيه في زمان والطرف الآخر في زمان متأخّر. فهو العلم الإجماليّ التدريجيّ بين نجاسة باء في المقطع الزمانيّ الأوّل أو نجاسة الثوب في المقطع الزمانيّ الثاني، وإن كان في الحقيقة إن كان باء نجساً ففي كلا الزمانين نجس وإن كان الثوب كذلك ففي كلا الزمانين نجس، ولكن نحن نأخذ المقطع الزمانيّ الأوّل مع المقطع الزمانيّ الثاني فنكوّن من ذلك علماً إجماليّاً تدريجيّاً، وهذا [وإن] يؤدّي إلى إمكان تصوير علم إجماليّ تدريجيّ في كلّ علم إجماليّ، فليكن ذلك [ولا ضير]. مثلاً إذا كان عند واحد علم إجماليّ بنجاسة إمّا هذا الإناء أو ذاك الإناء من الصباح إلى العصر فهو يقدر أن يقول إمّا هذا الإناء نجس صباحاً أو ذاك الإناء نجس عصراً، وإن كان في الواقع أنّه إمّا هذا نجس في تمام الزمان أو ذاك نجس في تمام الزمان.
فنكوّن علماً إجماليّاً تدريجيّاً بين نجاسة باء قبل رجوع ألف إلى محلّ الابتلاء ونجاسة الثوب بعد رجوع ألف إلى محلّ الابتلاء، فهذا العلم الإجماليّ يوجب تنجيز طرفيه ولا يوجد علم إجماليّ سابق عليه رتبة حتّى يسقطه عن التنجيز؛ لأنّ العلم الإجماليّ الأسبق هو العلم الإجماليّ بين ألف وباء، وهو كان منحلّاً قبل الدخول إلى محلّ الابتلاء. فيجب الاجتناب عن كلا طرفي هذا العلم الإجماليّ وأحد طرفيه هذا الثوب.
الجواب عن المناقشة
أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يدفع هذا الإيراد، ودفعه مبتنٍ على قياس النسبة بين العلم والتنجّز الحاصل منه إلى العلل والمعلولات التكوينيّة، وهذا دأبهم حيث جعلوا العلم بمنزلة العلّة والتنجّز الحاصل منه بمنزلة المعلول، وعلى أساس قياسهم هذا للعلم والتنجّز بالعلل والمعلولات الخارجيّة قال المحققّ العراقيّ بأنّه إذاً لا يمكن تنجيز المنجّز كما أنّه في العلل الخارجيّة لا يمكن اجتماع العلّتين على معلول واحد، فكذلك لا يمكن اجتماع التنجيزين على شيء واحد، فأسّس قاعدة أنّ المنجّز لا ينجّز، فهذا مبتن على قياس باب التشريع إلى باب التكوين، فنمشي على مبناهم.
ولكن يشترط في منجّزيّة كلّ علم إجماليّ أن يكون قابلاً لتنجيز معلومه على كلّ تقدير، كما قال به المحققّ العراقيّ. وهذه القابليّة سهلة إذا كان الطرفان في زمان واحد، ولكن إذا كان أحد طرفيه في زمان والآخر في زمان آخر فكيف يتمّ هذا الشرط؟ فلقائل أن يقول إنّ هذا الطرف بحسب زمانه قابل للتنجيز وذاك الطرف أيضاً بحسب زمانه قابل له.
فيقول إذا كان الطرفان في زمانين فتطبيق قاعدة «أنّ العلم الإجماليّ لا بدّ أن يكون قابلاً لتنجيز معلومه على كلّ تقدير» يحصل بأن يكون قابلاً لتنجيز معلومه على كلا التقديرين في كلا الزمانين، وهذا العلم الإجماليّ ليس كذلك؛ لأنّه في الزمان الثاني لا يصلح لتنجيز الطرف الأوّل، يعني بعد الرجوع إلى محلّ الابتلاء لا يصلح لتنجيز باء؛ لأنّه إذا نجّز باء يصير تنجيز على التنجيز، وهذا ما لا يقبله [المحقّق العراقيّ]، فإنّ باء منجّز بمنجّزيّة [العلم الإجمالي بنجاسة] إمّا ألف أو باء. فالشرط الذي ذكرنا من كونه قابلاً لتنجيز معلومه على كلا التقديرين في كلا الزمانين يفقده هذا العلم الإجماليّ التدريجيّ فلا ينفعنا.
والحمد لله ربّ العالمين.