أصول الفقه – يوم السبت ٢١ جمادى الآخرة ١٤٤٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.

قلنا إنّ السيّد الخوئيّ رضوان الله تعالى عليه وضع قاعدةً عامّة [في بحثنا هذا حول جريان الأصل الطوليّ في بعض أطراف العلم الإجمالي بعد سقوط الأصول الأوّليّة في جميع الأطراف]، وهي أنّه إذا كانت الأصول المؤمّنة الجارية في أطراف العلم الإجماليّ من سنخ واحد ودليلها مشترك، يصبح دليل الأصل العمليّ المشترك بين الطرف الأوّل والثاني مجملاً فيسقط بالإجمال لا بالتعارض والتساقط، فيمكن التمسّك بأصل مؤمّن طوليّ إذا وجد.

وأمّا إذا لم يكونا من سنخ واحد بألّا يكون لهما دليل مشترك، لا يُبتلى بالإجمال بل يتعارضان ويتساقطان ولكنّ الأصل الطوليّ يسقط أيضاً فيصير التعارض ثلاثيّاً وتتساقط الأصول الثلاثة معاً؛ لأنّ الطوليّة المؤثّرة في نوع التساقط ليست الطوليّة الرتبيّة. نعم، إذا كانت الطوليّة زمانيّةً بأن يكون الأصل الطوليّ في زمانٍ بعد زمان الأصلين المتعارضين، يتساقط الأصلان ويتمسّك بهذا الأصل المؤمّن الطوليّ فيما بعد ذلك الزمان. ولكن ما دام أنّ الأصول متّحدةٌ في الزمان، فتأخّر الأصل الطوليّ رتبةً (لا زماناً) لا تأثير له [في خروجه عن التعارض]، بل يتساقط أيضاً معهما.

هذه كانت القاعدة التي وضعها السيّد الخوئي رضوان الله تعالى عليه، [فطرح ثلاث حالات في المسألة] ومثّل للحالة الأولى بما إذا علم إجمالاً بنجاسة هذا الماء أو نجاسة هذا الثوب، فتوجد في كلّ منهما «أصالة الطهارة» وهي في الطرفين من سنخ واحد قابلة للجريان. فقبِل السيّد الخوئيّ سقوط الأصلين بالإجمال لا بالتساقط، فيأتي بعد التساقط دور أصالة الحلّ بناءً على كونها في طول أصالة الطهارة.

والظاهر أنّه أراد من هذه الطوليّة أنّ أصالة الطهارة أصل سببيّ وأصالة الحلّ مسبّبيّ. فإذا سقط أصالة الطهارة تجري أصالة الحلّ. وأصالة الحلّ لا تجري في الثوب؛ لأنّ «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه» يجري في المأكولات وليس معقولاً في الثوب.

ولكن فيما إذا كان الأصلان من سنخين لا يكون لهما دليل مشترك يبتلى بالإجمال (الحالة الثانية)، فحينئذ لا بدّ من أن يتعارضا ويتساقطا. فإذا وصلت النوبة إلى التعارض والتساقط نقول: إنّه يصير ثلاثيّاً بأن يكون الأصل الطوليّ داخلاً للتعارض أيضاً.

ومثاله ما إذا علم إجمالاً بنجاسة هذا الماء [المسبوق بالطهارة] أو كون المائع الآخر بولاً.

فيوجد في البداية أصلان أوّليّان غير متناسخين؛ لأنّ الماء كان مسبوقاً بالطهارة فيجري فيه استصحاب الطهارة – وهو مقدّم على أصالة الطهارة؛ لأنّه أصل محرز (أو تنزيليّ) وهي أصل بحت – والأصل الجاري في المائع المشكوك بوليّته هي أصالة الطهارة لا الاستصحاب.

فيقع التعارض بين استصحاب الطهارة في هذا الطرف وأصالة الطهارة في ذاك الطرف، وبما أنّهما لم يجتمعا في مورد واحد فلا يقال: إنّ الاستصحاب مقدّم على أصالة الطهارة.

وبعد سقوطهما لا تصل النوبة إلى أصالة الطهارة في طرف الماء؛ بما أنّها في طول الاستصحاب؛ لأنّها أيضاً طرف للتعارض؛ لأنّ التعارض واقع بين الأصل الأوّليّ والطوليّ من جانب وبين الأصل الآخر في الطرف الآخر من جانب آخر، فيصير التعارض ثلاثيّاً.

وبعد ذلك استثنى من الحالة الثانية حالةً خاصّة (الحالة الثالثة) وهي ما إذا كان لكلّ من الأصلين الأوّليّين الجاريين بالدليلين المستقلّين أصلٌ طوليّ ولكنّه في أحد الطرفين مثبت للتكليف وفي الطرف الآخر مؤمّن عنه.

ويمثّل بما إذا علم إجمالاً إمّا بصدور ركوع زائد في الصلاة السابقة أو بأنّه لم يؤدِّ الركوعَ في الصلاة التي فيها بعد تجاوز المحلّ. يعني أنّه وقع التعارض بين «قاعدة الفراغ» بالنسبة إلى الصلاة السابقة، وبين «قاعدة التجاوز» بالنسبة إلى الصلاة التي فيها. ويعتبر أنّ القاعدتين بدليلين مستقّلين وليستا قاعدةً واحدة.

وذكر في سبب استثناء هذه الحالة أنّه يوجد في أحد الطرفين أصل مثبت للتكليف وهو موجب لانحلال العلم الإجماليّ، ويمكن التمسّك بالأصل الطوليّ المؤمّن بعد الانحلال. أي أنّه بعد تساقط القاعدتين تصل النوبة إلى الأصلين الطوليّن أحدهما «عدم ارتكابه للركن الزائد في الصلاة السابقة» وهو أصل مؤمّن، والآخر «استصحاب عدم قيامه بالركوع الذي تجاوز محلّه» وهو أصل مثبت للتكليف؛ لأنّه يحكم بعدم إتيان الركن الواجب إتيانه. وهذا الأصل المثبت للتكليف يوجب انحلال العلم الإجماليّ. وبعد الانحلال يمكن التمسّك بالاستصحاب الأوّل الراجع إلى الصلاة السابقة ونحكم بصحتّها.

إلّا أنّي لا أعرف أنّه قصد الانحلال الحقيقيّ أو الحكميّ.

فذكر أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه قبال مجموع كلام السيّد الخوئيّ في هذه الأمثلة الثلاثة كلاماً في ثلاث جهات:

الجهة الأولى ترتبط بالمثال الأخير. فيقول: هذا كلام لا يلائم مع القول بعلّيّة العلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة ولا مع القول باقتضائه له.

والحمد لله ربّ العالمين.