أصول الفقه – يوم الأحد ٢٢ جمادى الآخرة ١٤٤٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.

قلنا: إنّ السيّد الخوئيّ رضوان الله تعالى عليه قال: إذا كان الأصلان المؤمّنان الجاريان في طرفي العلم الإجماليّ من سنخ واحد يمكن التمسّك بأصل طوليّ جار في أحد الطرفين بعد تساقطهما، ومثّل له بمثال.

وأمّا إذا كان الأصلان الأوّليّان من سنخين فلا يمكن التمسّك بهذا الأصل الطوليّ، بل الأصول الثلاثة تتساقط دفعةً واحدة.

واستثنى من القسم الأخير ما إذا كان لكلّ من الأصلين الأوّليّين أصل طوليّ ولكن أحدهما مثبِت للتكليف والآخر نافٍ له، فقال بإمكان التمسّك بالأصل الطوليّ المؤمّن رغم أنّ الأصلين الأوّليّين من سنخين؛ لأنّ ذلك الأصل الطوليّ المثبت للتكليف يُحلّ العلم الإجماليّ (بالانحلال الحقيقيّ أو الحكميّ) فيحصل المجال للتمسّك بالأصل المؤمّن في الطرف الآخر.

فهنا ثلاث أمثلة للحالة الأولى والثانية والحالة المستثناة.

وأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه بعد استعراضه لكلّ كلمات السيّد الخوئيّ بشأن هذه الأمثلة الثلاثة يبدأ بالمناقشة حولها في ثلاث جهات:

وفي الجهة الأولى يبدأ بمناقشة المثال الثالث الذي استثناه فيقول: هذا كلامٌ لا يناسب مشرب العلّيّة ولا مشرب الاقتضاء.

ومثال الحالة المستثناة هي ما إذا علم إجمالاً إمّا بصدور ركوع زائد في الصلاة السابقة أو بأنّه لم يؤدِّ الركوع في الصلاة التي فيها بعد تجاوز المحلّ. فلو لا التعارض تجري قاعدة الفراغ بشأن الصلاة الماضية وقاعدة التجاوز بشأن هذه الصلاة، ولكن يعلم إجمالاً بأنّه إمّا قاعدة الفراغ لا تطابق الواقع في الصلاة السابقة أو قاعدة التجاوز لا تطابق في هذه الصلاة، وبالتالي يقع التعارض بين القاعدتين في الصلاتين فتتساقطان، ولكلّ منهما أصل طوليّ أحدهما مثبِت للتكليف والآخر نافٍ له ومؤمّن. فيوجد استصحاب عدم قيامه بركن زائدٍ – وهو أصلٌ نافٍ للتكليف – في طول قاعدة الفراغ، واستصحاب عدم إتيان ما عليه إتيانه – وهو أصل مثبتٌ للتكليف – في طول قاعدة التجاوز.

فهذا الأصل المثبت للتكليف يُحلّ العلم الإجماليّ، وبعد الانحلال يمكن التمسّك بالأصل الطوليّ المؤمّن الجاري في الصلاة الماضية فتصحّ تلك الصلاة.

وقال أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه: هذا لا يناسب المشربين (العلّيّة والاقتضاء).

أمّا على مشرب علّيّة العلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة؛ فلأنّه لا يمنع من التمسّك بقاعدة الفراغ إلّا أحدُ المحذورين وكلاهما منتفيان، فلا موجب لسقوطه والعمل بالاستصحاب المذكور.

أمّا المحذور الأوّل هو محذور العلّيّة، أي أنّ العلم الإجماليّ علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعيّة فيكون مانعاً عن جريان هذه القاعدة؛ لكونه علّةً لوجوب الموافقة القطعيّة فلا يمكن جريان قاعدة الفراغ في أحد الطرفين دون الآخر؛ لأنّ العلّيّة هي التي تسقّط الأصول المؤمّنة في طرفي العلم الإجمالي.

وهذا المحذور منتفٍ؛ لأنّ المفروض انحلال العلم الإجماليّ بسبب الأصل المثبت للتكليف الجاري في طرف قاعدة التجاوز، فلا يبقى علم إجماليّ حتّى يكونَ علّةً تامّة لوجوب الموافقة القطعيّة.

وأمّا المحذور الثاني هو محذور المعارضة لقاعدة التجاوز، فقاعدة الفراغ قد تتساقط بالتعارض مع قاعدة التجاوز.

وهذا المحذور منتفٍ أيضاً؛ لأنّ قاعدة التجاوز غير جارية في نفسها، لا بعد انحلال العلم الإجماليّ ولا قبله؛ أمّا قبله فلأجل العلّيّة المانعة عن الأصل المؤمّن حتّى في طرف واحد، وأمّا بعده فلأنّه إنّما حصل الانحلال بتقدّم استصحاب عدم إتيان الركوع في هذه الصلاة على قاعدة التجاوز أي إنّه انحلّ العلم الإجماليّ بعد سقوط القاعدة وجريان الاستصحاب المثبت للتكليف بدلاً عنها.

وبعد الانحلال فرضنا أنّ هذه القاعدة ساقطة وإنّما حصل الانحلال ببركة سقوطها فكيف نتمسّك بها؟ فالأصل الطوليّ سقط وسبّب الانحلال فلا يمكن التمسّك به مرّة أخرى. فلا يبقى معارض لقاعدة الفراغ، فبمقتضى هذا المشرب لا بدّ من العمل بها.

هذا بناءً على مشرب العلّيّة.

وأمّا بناءً على مشرب الاقتضاء؛ فلا فرق بين المثال الثاني والثالث حيث كان المثال الثاني هو ما إذا علم إجمالاً بنجاسة هذا الماء أو كون المائع الآخر بولاً، وقال بسقوط الأصل الطوليّ مع الأصلين الأوّلييّن لأنّهما كانا من سنخين. ونفس كلامه جارٍ في المثال الثالث، لأنّه يرى أنّ الطوليّة الرتبيّة (لا الزمانيّة) لا تمنع عن دخول الأصل الطوليّ في التعارض فهو كذلك في المثال الثالث!

فالأصل الطوليّ فيه هو استصحاب عدم إتيانه بالركوع الزائد وطوليّته رتبيّة فلا بدّ من دخوله في التعارض بين القاعدتين.

فبالنتيجة رأي السيّد الخوئيّ رحمه الله حول هذا المثال الثالث لا يناسب مع مشرب الاقتضاء كما هو لا يناسب مع مشرب العلّيّة.

والحمد لله ربّ العالمين.