أصول الفقه – يوم السبت ٢٦ ربيع الثاني ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
خلاصة البحث السابق
قلنا إنّ الشيخ الأنصاريّ رضوان الله تعالى عليه استفاد من اختلاف الرتبة بين الأصلين الجاريين في ألف وباء وبين الأصل الجاري في الثوب الملاقي لألف، وقال ما دام الأصلان الجاريان في ألف وباء أسبق رتبة من الأصل الجاري في الثوب فذينك الأصلين يتعارضان ويتساقطان في رتبة سابقة وتصبح أصالة الطهارة في الثوب جارية بلا معارض؛ لأنّ معارضه قد سقط في رتبة سابقة.
وقلنا إنّ تماميّة هذا البيان يبتني على أربعة أمور وانتهينا من الأمر الثالث والآن نبدأ بالأمر الرابع وهو غير واضح في تقرير السيّد الحائري ووجدنا أنّ بيان السيد الهاشميّ هنا أوضح.
الأمر الرابع من الأمور الأربعة التي يبتني عليها الوجه الثاني
فهذا الأمر عبارة عن أنّه لو تمّ كلام الشيخ الأنصاري إنّما يتمّ فيما إذا لم يكن لباء – وهو الطرف الذي لم يلاقه الثوب – أصل طوليّ أيضاً كما يوجد هذا لألف؛ لأنّ الشكّ في الثوب ناشئ من الشكّ في ألف فالعلاقة بينهما علاقة السببيّ والمسبّبيّ ويقدّم الأصل السببيّ على الأصلي المسبّبيّ.
ومثاله ما إذا لاقى ثوبي الثاني لباء أيضاً بعد فرض ملاقاة ثوبي الأوّل لألف، فإمّا هذا الثوب نجس أو ذاك قطعاً؛ لأنّه إمّا ألف نجس أو باء.
أليس واضحا جدّا أنّ الأصل الجاري في الثوب الأوّل يتعارض مع الأصل الجاري في الثوب الثاني ويتساقطان وبالتالي يجب الاجتناب عنهما معا؟
فلكي يتمّ كلام الشيخ الأنصاريّ لا بدّ من ألّا يكون لباء أيضاً أصل طوليّ، أمّا إذا وجدناه فيتعارض مع الأصل الجاري في طول باء.
ولكنّ هذا الأمر أيضاً غير متوفّر؛ لأنّه يوجد [دائماً] أصلٌ في طول باء كما يوجد لألف. وهذا الأصل الطولي في طول باء يوجد وجهان لتوضيحه:
الوجه الأوّل لإثبات وجود أصل طولي لباء
الوجه الأوّل يبتني على ما ذكرناه سابقا – في الردّ على بيان السيّد الخوئيّ – من أنّ التعارض يكون بحسب عالم الجعل لا بحسب عالم الفعليّة فهنا نقول: إنّ باء إن كان حراماً فله حرمة في عالم الجعل، والأصل الجاري في هذا الثوب له عالم الجعل أيضاً، فنفترض وجود الملاقي التقديريّ لباء ونلحظ أصالة الطهارة الجارية في الملاقي التقديريّ لباء بحسب عالم جعله قبل حصول الملاقاة بالفعل، فالباء لها حرمة في عالم الجعل – لو كان حراماً – وعلى تقدير وجود ملاق لباء يجري فيه الأصل العمليّ ولهذا الأصل العمليّ عالم الجعل أيضاً فيقع التعارض بين عالم الجعل لهذا الأصل العمليّ الذي متعلّقه غير فعليّ وهو ملاقي باء وبين حرمة باء التقديريّة، إذاً صار حال باء حال ألف، فكما أنّ لألف معارضاً فللأصل الجاري في باء معارضٌ أيضاً، لكن في عالم الجعل، وهما ملاقيهما أي ملاقي ألف وملاقي باء التقديري. فيتمّ التعارض بين الأصل الجاري في الثوب الملاقي لألف وبين الأصل الجاري في الثوب الثاني الملاقي خيالاً مع باء؛ لأنّ التعارض يكون تابعاً لعالم الجعل، فكما عندنا أصالة الطهارة في عالم الجعل عن كلّ ما يلاقي ألف كذلك عندنا أصالة الطهارة عن كلّ ما يلاقي باء قبل أن يلاقيه وقبل فعليّة الملاقاة، فيتعارضان ويتساقطان.
ويبقى أن نطبّق هذا التوضيح على عبارة السيّد الهاشميّ.
الأمر الرابع: عدم وجود أصل طوليّ في طرف الملاقىٰ – بالفتح – (يعني باء). هذا في فهرسة الأمور. فبعد ذلك يقول: الأمر الرابع ألّا يوجد هناك أصل طولي لباء كما هناك أصل طوليّ في طرف ألف، لأنّه إن وجد هذا الأصل لباء وقع التعارض بينه وبين الأصل الطوليّ لألف.
وأمّا الأمر الرابع فغير تامّ أيضا وذلك: أوّلاً لجريان أصالة الطهارة في الملاقي التقديري للطرف الآخر أي الباء بناء على ما عرفت من جريانها أي أصالة الطهارة عن الحرمة الوضعيّة (لا يقصد بالوضعيّة ما يقابل التكليفيّة بل يقصد به ما عالم الجعل) قبل وجود الملاقي.
وثانياً ما سماه المحقّق العراقي بالشبهة الحيدريّة والد أستاذنا الشهيد تبعاً لاسمه.
وهذا ما سيأتي توضيحه إن شاء الله في الدرس القادم.
والحمد لله ربّ العالمين