أصول الفقه – يوم الأحد ١٧ جمادي الأولى ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
قلنا يقع الكلام في ثلاث جهات، الجهة الأولى في تعيين حكم الثوب قبل رجوع ألف إلى محلّ الابتلاء، وقلنا إنّه على المبنى الأوّل والثالث والرابع يجب الاجتناب عنه وإنّما لا يجب الاجتناب عنه على المبنى الثاني.
والجهة الثانية في بيان حكم ألف بعد المراحل الأربعة كلّها أي بعد الرجوع إلى محلّ الابتلاء، فقلنا هنا أيضاً لا بدّ أن نبحث في حكمه بحسب المباني الأربعة.
الجهة الثانية على مبنى السيّد الخوئي رضوان الله عليه
أمّا على مبنى الأوّل مبنى السيّد الخوئيّ فيقال بوجوب الاجتناب عن ألف؛ لوقوع التعارض بين الأصل الجاري في ألف والأصل الجاري في باء، وليس أحدهما مقدّماً زماناً على الآخر؛ لأنّ السيّد الخوئي يبني على اعتبار التقدّم والتأخّر الزمانيّين، فبما أنّ العلمين الإجماليّين حصلا في زمان واحد، [فالأصل الجاري في باء لم يسقط بالتعارض في زمان سابق حتّى يبقى الأصل الجاري في ألف سليماً عن المعارض]، فالأصل الجاري في ألف والأصل الجاري في باء يتعارضان ويتساقطان، [وبالتالي يجب الاجتناب عن ألف].
الجهة الثانية على مبنى الشيخ الأنصاري رضوان الله عليه
وأمّا على مبنى الشيخ الأنصاريّ فقد يقال بأنّه على مبناه بما أنّه لا يرى تأثير التقدّم والتأخّر الزمانيّ ويقول بأنّ الأصل المتقدّم رتبة يجري والأصل المتأخّر رتبة لا يجري وهنا لا يوجد التقدّم والتأخّر؛ لأنّ العلمين الإجماليّين حصلا دفعة واحدة واحتجنا إلى الأصل المؤمّن دفعة واحدة، وبالتالي لا تتساقط هذه الأصول المؤمّنة فيجري الأصل المؤمّن في ألف.
وفي مقابل ذلك قد يقال بأنّ الأصل المؤمّن الجاري في باء لا يتساقط مع الأصل المؤمّن الجاري في ألف بلحاظ جميع آثار أصالة الطهارة الجارية في ألف، وأصالة الطهارة في باء وأصالة الطهارة في ألف لا تتساقط بلحاظ جميع آثار الطهارة في ألف؛ لأنّ آثار الطهارة في ألف على قسمين، قسم من تلك الآثار نسمّيها بالآثار المباشرة لطهارة ألف، [كجواز] أكله وشربه ولبسه في الصلاة وأمثال ذلك، والقسم الثاني الآثار المترتّبة على ألف بواسطة ملاقيه ونسمّيها بالآثار غير المباشرة، فأصالة الطهارة في ألف قبل رجوعه إلى محلّ الابتلاء لم تسقط بالتعارض مع أصالة الطهارة في باء بلحاظ جميع آثار الطهارة، فبلحاظ قسم من آثارها تتعارض مع [الأصل الجاري] باء وبلحاظ قسم آخر لا تتعارض. والسبب في ذلك أنّ معنى أصالة الطهارة هو التعبّد الظاهريّ بآثار الطهارة وهو لم يوجد في الزمان السابق بحسب الآثار التي كانت خارجة عن محلّ الابتلاء؛ لأنّه إنّما يوجد في الأشياء المشكوكة التي هي داخلة في محلّ الابتلاء، فإذا كان هناك إناء مشكوك الطهارة لكن ليس في محلّ ابتلائنا فلا تجري فيه أصالة الطهارة.
وإنّ القسم الثاني من آثار الطهارة – أي الآثار المترتّبة على ألف بواسطة ملاقيه وهو الثوب – ليست خارجة عن محلّ الابتلاء؛ لأنّ الثوب لم يخرج عن محلّ الابتلاء وألف بذاته كان خارجاً عن محلّ الابتلاء فقط. إذاً فإنّما جرت أصالة الطهارة سابقاً في ألف بلحاظ آثارها المباشرة لا بلحاظ جميع آثارها، وبالتالي وقع التعارض بين أصالة الطهارة الجارية في ألف بلحاظ آثارها غير المباشرة مع أصالة الطهارة التي تجري في باء وتساقطا، وبالتالي فقدنا أصالة الطهارة في باء، وهذا المقدار من التعارض يكفي لإسقاط أصالة الطهارة في باء.
ثمّ عندما رجع ألف إلى محلّ الابتلاء لا يرجع الأصل الذي سقط، وهي أصالة الطهارة في باء، فلا يوجد معارض لأصالة الطهارة في ألف [بلحاظ آثارها المباشرة]، فحال الأصل الساقط بعد رجوع ألف إلى محلّ الابتلاء حاله قبل الرجوع إلى محلّ الابتلاء. فبالتالي تجري أصالة الطهارة في ألف بلا معارض ولكن بلحاظ بعض الآثار. فبالنسبة إلى ألف لا بدّ أن نقول بأنّ أصالة الطهارة في ألف بلحاظ بعض الآثار تجري وبلحاظ بعضها الأخرى لا تجري؛ إذ يمكن التفكيك في أصالة الطهارة بين آثار الطهارة.
التحقيق في المسألة هو التفصيل
هذا، ولكن هذا القول الثاني تكلّم بروح نظريّة السيّد الخوئيّ رغم أنّه كان يبتني على مبنى الشيخ الأنصاريّ، فهذا الذي يقال بأنّ الشيء الذي سقط في زمان سابق لا يرجع، هذا من مباني السيد الخوئيّ؛ لأنّه يقول بأنّ الضابطة هي التقدّم والتأخّر الزمانيّ وهذا ليس من مباني الشيخ الأنصاريّ.
فأستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يعلّق على ذلك بأنّ هذا خلط بين مباني السيّد الخوئيّ وبين مباني الشيخ الأنصاريّ فإنّ الشيخ الأنصاريّ رضوان الله تعالى عليه لا يؤمن بتأثير التقدّم والتأخّر الزمانيّ بل إنّما يؤمن بالتقدّم والتأخّر الرتبيّ، وعليه فإذا قلنا بالإيمان بكلا المبنيين وقلنا بأنّه لا منافاة في اجتماع المبنيين – فكما أنّ التقدّم والتأخّر الرتبيّ يكفي لتقدّم السابق رتبة على اللاحق رتبة فكذلك التقدّم والتأخّر الزمانيّ يكفي ولا تعارض بين المبنيين – يتمّ ما ذكر صاحب هذا القول الثاني، وإن لم نؤمن بالتقدّم والتأخّر الزمانيّ فهذا يبطل؛ لأنّ الشيخ الأنصاريّ لا يؤمن بالتقدّم والتأخّر الزمانيّ بل إنّما بالتقدّم والتأخّر الرتبيّ ومن حيث الرتبة لا يكون تقدّم رتبة؛ لأنّهما حصلا دفعة.
والحمد لله ربّ العالمين.