أصول الفقه – يوم الثلاثاء ٢٤ جمادى الآخرة ١٤٤٤
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
قلنا: الجهة الثانية من كلام أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه التي علّق فيها كلام أستاذه السيّد الخوئيّ رضوان الله تعالى عليه كانت حول ما قاله في حالة ما إذا كان الأصلان الأوّليّان الجاريان في طرفي العلم الإجماليّ من سنخ واحد وكان الأصل المؤمّن الثالث طوليّاً في أحد الطرفين دون الآخر، فالأصلان يسقطان لا بسبب التعارض بل لإجمال دليلهما؛ لأنّهما من سنخ واحد ودليلهما مشترك لا يمكنه إثبات التأمين في كلا الطرفين فيبتلى بالإجمال ويسقط الأصلان معاً، فحينئذ يمكن التمسّك بالأصل الثالث إذا كان طوليّاً.
والسيّد الشهيد علّق على هذه النقطة، أي أنّه «إذا كان طوليّاً» ويقول: إنّ المفروض من السيّد الخوئيّ أن يقول بإمكان التمسّك بالأصل الثالث حتّى إذا كان عرضيّاً.
فإنّ تمام النكتة التي جعلت السيّد الخوئي يقول بمقاله تكمن في اتّحاد دليل الأصلين المتسانخين وابتلائه بالإجمال، وعدم اتّحاد دليل الأصل الثالث معهما، فلا يبتلى بشيء، لا بالإجمال ولا بالتساقط.
أمّا عدم ابتلائه بالإجمال فلاستقلال دليله وعدم اشتراكه مع غيره حتّى يحصل إجمال. وأمّا عدم ابتلائه بالتساقط فلعدم وجود معارض بعد سقوط الأصلين الأوّليّين.
وهذه النكتة لا فرق فيها بين أن يكون الأصل المؤمّن الثالث طوليّاً أو عرضيّاً، بينما أنّ ظاهر كلام السيّد الخوئي هو اختصاص الأخذ بالأصل الثالث بما إذا كان طوليّاً، أمّا إذا كان عرضيّاً فيتساقط مع الأصول الأخرى.
ومثّل أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه للأصل العرضيّ الذي لا يقبل التمسّك به السيّد الخوئي بمثالين شرحناهما بالأمس.
ثمّ إنّ أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يقول: إنّه ربما يقبل السيّد الخوئيّ هذين النقضين في المثالين رغم كون الأصل الثالث عرضيّاً.
ولكن هناك نقض ثالث في مثال آخر لا يقبله وهو يظهر من المثال الذي مثّل به السيّد الخوئي رحمه الله في الحالة الثانية من الحالتين اللتين فصّل بينهما بأنّ الأصلين الأوّليّين إذا كانا من سنخ واحد، جوّز فيه العمل بالأصل المؤمّن الطوليّ أمّا إذا كانا من سنخين فلم يجوّز؛ لأنّ الطوليّة الرتبيّة لا تمنع عن التعارض فيصير التعارض ثلاثيّاً بدخول الأصل الثالث فيه، بخلاف ما إذا كانت زمانيّة.
ومثّل بما إذا علم إجمالاً بنجاسة هذا الماء أو كون المائع الآخر بولاً وكان الماء مستصحب الطهارة بخلاف المائع. فيكون الأصلان الأوّليّان من سنخين؛ لأنّ الموجود في طرف الماء استصحاب الطهارة وفي طرف المائع أصالة الطهارة، فيقع التعارض بينهما، ولا يمكن القول بجواز العمل بالأصل الطوليّ في الماء – وهي أصالة الطهارة – بعد سقوط الأصلين؛ لأنّها داخلة في التعارض أيضاً.
لكنّه ينقض عليه بنفس هذا المثال، وتوضيحه:
أنّه ما دامت الطوليّة الرتبيّة عند السيّد الخوئي رحمه الله لا قيمة لها [في حصول التعارض بين الأصول]، فيوجد في طرف الماء أصلان: أصالة الطهارة واستصحابها، وإنّهما وإن كانا طوليّين لكن لا يعتنى بهذه الطوليّة عنده، فحينئذٍ يمكن أن يقال بحصول الإجمال في دليل أصالتي الطهارة في الطرفين – اللتين هما من سنخ واحد – فتسقطان بالإجمال، لا بالتساقط، ثمّ يفسح المجال حينئذٍ للأخذ باستصحاب طهارة الماء [لعدم وجود معارض له].
فصار هذا المثال الذي مثّله السيّد الخوئي للحالة الثانية مثالاً للحالة الأولى بعد ملاحظة وجود أصالتي الطهارة في الطرفين (لعدم تأثير الطوليّة الرتبيّة في المقام عنده)، فعلى السيّد الخوئي رضوان الله تعالى عليه أن يقول فيه بما قال في الحالة الأولى.
ثمّ إنّ أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه يدخل في الجهة الثالثة ويأتي في الدرس القادم إن شاء الله.
والحمد لله ربّ العالمين.