أصول الفقه – يوم الاثنين ۳٠ ربيع الأول ١٤٤٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.
قلنا إنّ أستاذنا الشهيد رضوان الله تعالى عليه اختار عدداً من موارد تطبيق منجّزيّة العلم الإجماليّ التي وقع فيه البحث والخلاف بأنّ منجّزيّة العلم الإجماليّ تنطبق أو لا تنطبق. وقد بحثنا آخر تطبيق من التطبيقات التي تعرّض لها أستاذنا الشهيد تحت عنوان ما إذا اشترك علمان إجماليّان في طرف واحد، وقد قلنا إنّ جملة من المحقّقين قالوا في هذا البحث بأنّ هذا العلم الإجماليّ يسقط عن التنجيز بسقوط الركن الثالث من أركان منجّزيّة العلم الإجماليّ سواء كان بصيغة المحقّق النائيني في هذا الركن أو بصيغة المحقّق العراقيّ.
حكم ملاقي أحد أطراف العلم الإجمالي
والآن نتحوّل إلى نقطة جديدة وهي «ملاقي أحد أطراف العلم الإجماليّ». وهذا البحث من الأبحاث المليئة بالبحث والنقاش بين الأصحاب والظاهر أنّ أستاذنا الشهيد خالف رأي السيّد الخوئيّ في هذا البحث؛ لأنّ المعروف أنّ السيّد الخوئيّ يرى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي لأحد الأطراف بينما أستاذنا الشهيد ينتهي بالتالي إلى وجوب الاجتناب عنه.
مثاله: ما إذا كان علم إجماليّ بنجاسة أحد الإناءين – ونسمّي أحدهما بإناء ألف والثاني إناء باء – ثمّ حصلت ملاقاة برطوبة سارية لشيء ثالث مع ألف بالذات، وهو طرف معيّن من هذين الطرفين، مثلاً أنّ ثوبي لاقى ألف. فهل يجب الاجتناب عن الثوب بعدم الصلاة فيه مثلاً أو لا؟
دليل وجوب الاجتناب عن الملاقي
قال جملة من الأصحاب بوجوب الاجتناب عن ملاقيه لتنجيز علم إجماليّ ثانٍ يحصل هنا بالملاقاة، وهذا العلم الإجماليّ الثاني عبارة عن أنّه إمّا هذا الثوب متنجّس أو الطرف الثاني من طرفي العلم الإجماليّ الأوّل – أي الباء – نجس. وذلك لأنّه إن كان النجس المعلوم بالإجمال في ألف فقد تنجّس الثوب به؛ لأنّه لاقاه، وإن لم يكن النجس الواقعيّ في ألف فلم يتنجّس الثوب فالنجس الواقعيّ في باء. فيوجد علم إجماليّ بأنّه إمّا الثوب متنجّس أو باء نجس، وهذا غير العلم الإجماليّ الأوّل بنجاسة أحد الإناءين ألف وباء.
وهذا العلم الإجماليّ ينجّز ويوجب الاجتناب من طرفيه، والثوب أحد طرفيه.
دليل عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي
وفي مقابلها قال جملة من الأصحاب بعدم منجّزيّة هذا العلم الإجماليّ الثاني؛ لأحد الأسباب السابقة وهناك تقريبان لهذا القول:
التقريب الأوّل
أنّه من موارد علمين إجماليّين في طرف، وقد سبق في ذلك البحث أنّه إذا كان العلمان الإجماليّان غير متعاصرين وكان أحدهما متأخّراً زماناً عن الأوّل، فالمتأخّر يسقط باختلال الركن الثالث من أركان منجّزيّة العلم الإجماليّ، سواء بصياغة المحقّق النائيني أو صياغة المحقّق العراقيّ.
توضيحه أنّه عندنا علمان إجماليّان: علم إجماليّ بنجاسة إمّا ألف أو باء، وعلم إجماليّ بنجاسة الباء أو تنجّس الثوب الملاقي. فالباء هو الطرف المشترك بين هذين العلمين الإجماليّين فيصبح مثالاً للبحث السابق، حيث قلنا: إن كان عندنا ثلاثة أواني وسقطت قطرتان من الدم إحداهما سقطت إمّا في ألف أو باء والقطرة الثانية سقطت إمّا في باء أو تاء، فباء صار الطرف المشترك بين أطراف هذين العلمين الإجماليّين. ومرّ هناك القول بأنّه إن لم يتعاصر العلمان الإجماليّان زماناً وكان أحدهما متأخّراً عن الآخر، فهذا المتأخّر يسقط عن التنجيز، وما نحن فيه أصبح من هذا القبيل. وكان جملة من المحقّقين ومنهم المحقّق النائيني يرون بأنّ العلم الإجماليّ الأوّل يمنع عن منجّزيّة العلم الإجماليّ الثاني وأنّ العلم الإجماليّ الثاني يسقط بسقوط الركن الثالث.
وهذا التقريب غير تامّ لوجهين:
الوجه الأوّل: لما ناقشناه به القول بعدم منجّزيّة العلم الإجماليّ الثاني المتأخّر في البحث السابق، وذكرنا أنّ أستاذنا الشهيد ناقش فيه بأنّ العلم الإجماليّ في كلّ لحظة زمانيّة يؤثّر أثره بقدر تلك اللحظة الزمانيّة لا أنّ العلم الإجماليّ يؤثّر أثره إلى الأبد. ويقول أستاذنا الشهيد بأنّ نفس ما ناقشنا به ذلك البحث يجري هنا؛ لأنّه مصداق من مصاديق ذلك البحث.
الوجه الثاني: أنّه لو تمّ هذا الوجه – بأن نتنزّل من كونه من مصاديق ذلك البحث ونرفع اليد عن مناقشتنا حوله – فهو أخصّ من المدّعى؛ لأنّ من يدّعي لزوم الاجتناب عن الثوب لا يفرّق بين اقتران هذين العلمين الإجماليّين زمانا وبين تأخّر العلم الإجماليّ الثاني عن الأوّل زماناً. يعني سواء حصل الملاقاة بعد حصول العلم الإجماليّ بنجاسة ألف أو باء، أو حصل الملاقاة من البداية.
ومن يقول بعدم وجوب الاجتناب عن الثوب لا يفرّق بين هاتين الحالتين بينما أنّ نتيجة هذا التقريب هو الفرق بين ما إذا كانا متعاصرين أو ما إذا كانا غير متعاصرين زماناً، وذُكر هناك أنّه إن حصل العلمان الإجماليّان في زمان واحد فيصير العلم الإجماليّ ثلاثيّ الأطراف ويجب الاجتناب عن ثلاثتها، بخلاف ما إذا كان أحدهما متقدّماً زماناً فيوجب سقوط العلم الإجماليّ الثاني بسبب اختلال الركن الثالث.
وفيما نحن فيه ما ادّعوا الفرق بين معاصرة ملاقاة الثوب مع العلم الإجماليّ بنجاسة إمّا ألف أو باء وبين عدم المعاصرة، فهذا البرهان لو تمّ يختصّ بحالة عدم المعاصرة؛ لأنّه في البحث السابق كان خاصّة لعدم المعاصرة وهذا صار من مصاديق ذاك البحث السابق. فلو صحّ هذا التقريب إنّما يصحّ بقدر أخصّ من المدّعى ولا يثبت المدّعى بصورة كاملة.
والحمد لله ربّ العالمين.