أصول الفقه – يوم الإثنين ١١ جمادى الثانية ١٤٤٥

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين والطاهرين.

كان الكلام في أنّ هذا الثوب الملاقي لألف ما هو حكمه في المرحلة الثالثة من المراحل الأربعة التي ذكرناها قبل المرحلة الرابعة؟ فقلنا يختلف ذلك باختلاف المباني الأربعة المذكورة سابقاً، فعلى مبنى السيّد الخوئي يجب الاجتناب عن هذا الثوب وعلى مبنى الشيخ الأنصاري لا يجب الاجتناب عن الثوب، وعلى مبنى المحقّق العراقيّ يجب الاجتناب عن الثوب أيضاً.

حكم الملاقي في المرحلة الثالثة على مبنى المحقّق النائينيّ رحمه الله

والآن نأتي إلى مبنى المحقّق النائينيّ رضوان الله تعالى عليه، ومبدئيّاً نقول بأنّه على مبنى المحقّق النائيني أيضاً يجب الاجتناب عن الثوب.

ولأجل توضيح ذلك لا بدّ أن نوضّح أوّلاً أصل مبناه في بحث حكم الملاقي، وثانياً نوضّح نقضاً أوردناه هناك عليه، وثالثاً نوضّح كيفيّة علاج ذلك النقض.

الأوّل: توضيح أصل مبنى المحقّق النائيني في أصل بحث حكم الملاقي

المحقّق النائينيّ كان يصبّ البحث على المعلوم لا على العلم، فلكي نجد أنّ هذا العلم الإجماليّ الثاني بين باء والثوب هل ينحلّ أو لا، لا بدّ من أن نجد أنّ هذا العلم هل هو علم بحدوث تكليف على كلا تقديريه أو هو علم ببقائه على أحدهما؟

فيرى أنّه لا بدّ أن يكون معلومه عبارة عن حدوث تكليف لا عن بقائه، إذاً فشرط منجّزيّة العلم الإجماليّ عنده – بالقدر الوارد في كلماته رضوان الله تعالى عليه – هو ألّا يكون بقاءً لتكليف سابق.

الثاني: النقض الوارد على هذا المبنى بهذه الصياغة

وهذا المبنى بهذا المقدار الذي ذكره أوردنا عليه نقضاً والآن نعيده، وهو أنّه إذا كان أحد طرفي العلم الإجماليّ مشكوكاً بالشكّ البدويّ لا بعلم إجماليّ سابق، مثل أنّه إمّا الإناء الأبيض نجس أو الأسود، والإناء الأبيض مثلاً كان مشكوك النجاسة من قبل بشكّ بدويّ، فعلى تقدير كون المعلوم بهذا العلم الإجماليّ في الإناء الأبيض فهو محتمل المسبوقيّة بتكليف سابق، يعني أنّه لم يحرز كون التكليف المعلوم بالإجمال حدوثيّاً؛ لاحتمال أن يكون نجساً بنجاسة سابقة، فلم يحرز هذا الشرط فعلى مبناه لا بدّ أن لا يكون هذا العلم الإجماليّ منجّزاً، وهذا لم يقل به أحد. فهذا نقض أوردناه عليه.

الثالث: كيفيّة حلّ هذا النقض

وقلنا إنّ علاج هذا النقض بأن نضمّن كلامه بروح كلام المحقّق العراقيّ، فنقول – بدلاً عمّا قاله [في شرط منجّزيّة العلم الإجماليّ] – بأنّه يشترط في منجّزيّة العلم الإجماليّ ألّا يكون معلومه مسبوقاً بتكليف منجّز سابقاً، فلا بدّ أن نضيف قيد «المنجّز» حتّى لا يجري ذلك على الشكّ البدويّ، فيرتفع هذا النقض. فهذا يعني أنّه لا بدّ أن نقول إنّ مراده ما يتضمّن كلام المحقّق العراقيّ؛ لأنّ المحقّق العراقيّ يقول بأنّ المنجّز لا ينجّز، أي يشترط ألّا يكون في أطراف العلم الإجماليّ تكليف منجّز سابقاً حتّى يقال إنّ المنجّز لا ينجّز.

حكم الملاقي في ما نحن فيه، على مبنى المحقّق النائيني بصياغته الجديدة

والآن لا بدّ أن نجد في ما نحن فيه أنّه هل أنّ العلم الإجماليّ بنجاسة إمّا باء وإمّا الثوب في المرحلة المذكورة يتوفّر فيه هذا الشرط بصيغته الجديدة التي أضفنا فيها قيد «منجّز» أو لا؟

فنقول إنّ هذا الشرط متوفّر، وبالتالي يتنجّز هذا العلم الإجماليّ ويجب الاجتناب عن طرفيه وأحد طرفيه هو الثوب، وذلك لأنّه في هذه المرحلة يكون العلمان الإجماليّان مقترنين زماناً ورتبة كما ذكرنا في مبنى المحقّق العراقيّ، وبالتالي يكون المعلوم في العلم الإجماليّ الثاني – أي العلم بنجاسة إمّا باء أو الثوب المقترن بالعلم الإجماليّ بنجاسة إمّا ألف أو باء زماناً ورتبةً – يتوفّر فيه هذا الشرط، بمعنى أنّ هذا المعلوم بالإجمال على تقدير كونه في باء غير مسبوق رتبة بتكليف منجّز، [فيكون منجّزاً، وبالتالي يجب الاجتناب عن الثوب].

نعم، قد يكون مسبوقاً بتكليف [غير منجّز]، ولكن إذا اشترطنا تنجيز العلم الإجمالي بعدم مسبوقيّة طرفيه بتكليف منجّز، فهما ليسا مسبوقين به.

نعم، كنّا نقول إنّ هذا الشرط يوجب انحلال العلم الإجماليّ الثاني بالعلم الإجماليّ الأوّل؛ لأنّنا ما كنّا نفترض هذه المراحل الثلاثة، وإنّما كنّا نقول إنّ العلم الإجماليّ الأوّل ولّد العلم الإجماليّ الثاني فهو أسبق منه إمّا زماناً أو رتبة أو زماناً ورتبة معاً، ولهذا كانت النتيجة أنّ العلم الإجماليّ الأوّل يحلّ العلم الإجماليّ الثاني؛ لأنّ هذا الشرط غير متوفّر؛ لأنّ فرضيّتنا كانت فرضيّة نعلم فيها أنّ باء منجّز في مرتبة سابقة بالعلم الإجماليّ بين ألف وباء، فالعلم الإجماليّ بباء أو الثوب ينحلّ؛ لأنّه كان مسبوقاً بمعلوم منجَّز بتكليف منجِّز سابق، وبهذا كنا نقول إنّ العلم الإجماليّ الأوّل يوجب انحلال العلم الإجماليّ الثاني، ولكنّه في ما نحن فيه غير مسبوق بتكليف منجّز في رتبة سابقة؛ لأنّ المرتبتين على السواء، فلا ينحّل العلم الإجماليّ، فيجب الاجتناب عن طرفيه وأحد طرفيه الثوب. فهذا على مبنى المحقّق النائينيّ.

فعلى كلّ المباني الأربعة إلاً واحداً منها يجب الاجتناب عن الثوب في هذه المرحلة، وهو مبنى الشيخ الأنصاري.

وبعد ذلك لا بدّ أن نبحث أنّه بعد المرحلة الرابعة ما ذا يكون التطوّر، فهل يجب الاجتناب عن الثوب والملاقى أو لا؟

والحمد لله ربّ العالمين.